يستعمله في نصرة الدين ، استعمله في هدم الاعتزال ، ولأجل ذلك خدم الرجعية خدمة عظيمة وأنقذها من الهلاك والدمار ؛ ترى أنّه دعا إلى رؤية الله سبحانه يوم القيامة الذي لا ينفك عن القول بالتجسيم والتشبيه ، وإن أضاف إليه بأنّ الرؤية بلا إثبات جهة وكيف ؛ وإلى القول بالخلق والقدر الذي يجعل الإنسان كالريشة في مهب الرياح ، وإن أضاف إليه بأنّ العبد كاسب والله خالق ـ ولم يُفهم معنى الكسب إلى يومنا هذا ، بل صار شيئاً معقّداً فسره كلّ حسب ذوقه ـ والى إنكار التحسين والتقبيح العقلييّن اللّذين يبتنى عليهما لزوم تصديق الأنبياء عند التحدي بالمعاجز ، إلى غير ذلك من الأُصول التي كانت عليها عقيدة أهل الحديث.
والله سبحانه هو العالم بالضمائر والمقاصد ، وإنّ الشيخ الأشعري لماذا استخدم سلاح المنطق ضدّ دعاة الحرية والاختيار ، وهل كان هذا مجاراة للرأي العام وطمعاً في كسب عواطف الحنابلة ، أو كان هناك غاية أُخرى لا نعرفها ، ولكن الله من وراء القصد.
وقد وقف الكاتب على سوء قضائه ، فاستدركه في موضع آخر من كلامه ، وقال:
استمرت الحركة الرجعية في الدولة الإسلامية بعد ظهور الأشعرية قوية ، وقد قلت : إنّ الأشعرية نفسها بالنسبة إلى الاعتزال ، السابق لها ، كانت حركة رجعية ، وكانت رجعية أيضاً بمعنى آخر ، وذلك أنّها استخدمت سلاح العقل والمنطق الذي أخذته عن المعتزلة ، لا في نصرة الدين فحسب ، بل في مقاومة الاعتزال وهدمه ، وقد يكون الأشاعرة فعلوا ذلك مجاراة للرأي العام ، وطمعاً في كسب عطفه وتأييده ، ومهما يكن فجدير بنا أن نلاحظ أنّ الأشاعرة خضعوا للقوى الرجعية إلى حدّ كبير ، فإنّهم وصلوا في تقدمهم الفكري إلى درجة لم يقدروا أن يتجاوزوها كما تجاوزها المعتزلة ، ولذلك فقد استولى عليهم الجمود ، وصاروا إلى ركود ، ومن أدلة سيطرة الرجعية على الموقف ما يذكره « مسكويه » : أنّ عضد الدولة البويهي أفرد في داره موضعاً خاصاً للحكماء والفلاسفة يجتمعون فيه للمفاوضة ، آمنين من السفهاء ورعاع