عليك بأوساط الأُمور فإنّها |
|
نجاة ولا تركب ذلولاً ولا صعباً |
وقد نقل المترجمون في حقّ الأشعري أُموراً تعد من المغالاة في الفضائل واتّخذوها تاريخاً صحيحاً من دون أي غمز وإنكار في السند ، ونأتي بنموذجين من ذلك :
١ ـ روى ابن عساكر عن أبي الحسين السروي ، الفاضل في الكلام يقول : كان الشيخ أبو الحسن ، يعني الأشعري ، قريباً من عشرين سنة يصلي صلاة الصبح بوضوء العتمة ، وكان لا يحكي عن اجتهاده شيئاً إلى أحد!! (١)
ونحن لا نعلّق على هذا الفضيلة المزعومة بشيء غير أنّها تعد من خوارق العادات ، إذ قلّما يتفق لإنسان أن لا يكون مريضاً ولا مسافراً ولا معذوراً طيلة عشرين سنة ، حتى يصلي فيها صلاة الصبح بوضوء العتمة ، أضف إلى ذلك أن سهر الليالي في هذه المدة الطويلة لا يوافق عليه العقل ، ولا يندب إليه الشرع ، وما كان النبي ولا الخلفاء على هذا السلوك ، وقد قال سبحانه : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فيهِ وَالنَّهار مُبْصِراً ) (٢)ولازم القيام في الليل على النحو الذي جاء في تلك الرواية ، هو كون النهار سكناً والليل مبصراً. ولأجل عدم انطباق ظاهر الرواية على مقتضى العرف والشرع ، عمد بعض المترجمين إلى تحريف الرواية وقال : ويحكي أبو الحسين السروي (٣) عن عبادته في الليل واشتغاله ما يدل على حرصه وقوته في العبادة. (٤)
٢ ـ روى ابن عساكر عن أبي عبد الله بن دانيال يقول : سمعت بندار بن الحسين ، وكان خادم أبي الحسن علي بن إسماعيل بالبصرة ، قال : كان أبو الحسن يأكل من غلة ضيعة ، وقفها جده بلال بن أبي بردة بن موسى الأشعري
ــــــــــــــــــ
النمرقة الوسطى ( بضم النون وسكون الميم وضم الراء ) بها يلحق التالي وإليها يرجع الغالي ».
١ ـ التبيين : ١٤١ ؛ تاريخ بغداد : ١١/٣٤٧.
٢ ـ يونس : ٦٧.
٣ ـ في المصدر : « الشروي » وهو لحن.
٤ ـ مقدمة الإبانة : ١٦ ، بقلم أبي الحسن الندوي.