أَرادُوا الخُروجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّة ). (١)
وقد فسر الشيخ الإستطاعة بالمال ، وقال : إنّهم كانوا يجدون المال ، وكانت المحاورة بينهم وبين النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في الجدة ، وإذا كان كذلك فنحن لا ننكر تقدّم المال للفعل ، وإنّما أنكرنا تقدّم استطاعة السلوك للفعل. (٢)
يلاحظ عليه : أنّ هؤلاء الواجدين للمال لم يكونوا خارجين عن حالتين : الصحّة والسلامة ، المرض والضعف.
فعلى الأوّل كانت الاستطاعة بعامة أجزائها موجودة قبل الفعل ، أعني : الخروج إلى الجهاد ، وعلى الثاني لم يكونوا مخاطبين بالخروج إلى الجهاد لقوله سبحانه : (وَلاَ عَلى المَريضِ حَرَجٌ). (٣)
إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي هي ظاهرة في تقدّم الاستطاعة على الفعل ، وقد أتعب الشيخ نفسه في تأويل هذه الآيات بما لا يرضى به من له إلمام بتفسير الآيات وتوضيحها.
والعجب أنّ الشيخ يتهجّم على المعتزلة تبعاً لأهل الحديث ، لتأويلهم الآيات والروايات الظاهرة في أنّ لله يداً ووجهاً ورجلاً ، مع أنّه يتكلّف التأويل في هذا الباب عند تفسير كثير من الآيات الظاهرة في خلاف ما تبنّاه.
وإن كنت في شكّ ممّا ذكرنا فلاحظ تأويله قوله سبحانه ، في قصة سليمان حكاية عن عفريت من الجن : (قالَ يا أَيُّهَا المَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِيني بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُوني مُسْلِمينَ* قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الجِنِّ أَنَا آتيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَليهِ لَقَويٌّ أَمينٌ). (٤)
فانظر صراحة الآية في أنّ العفريت يصف نفسه بالقوة والاستطاعة قبل أن يفعل.
ــــــــــــــــــ
١ ـ التوبة : ٤٦.
٢ ـ اللمع : ١٠٦.
٣ ـ النور : ٦١.
٤ ـ النمل : ٣٨ ـ ٣٩.