رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنّا إِنْ هِيَ إِلاّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِر لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيرُ الغافِرين ). (١)
إلى هذه اللحظة الحسّاسة لم يَحُمْ الكليم حول الرؤية ، ولم ينبس فيها ببنت شفة ، ولم يطلب شيئاً ، بل طلب منه سبحانه أن يحييهم ، حتى يدفع اعتراض قومه عن نفسه إذا رجع إليهم ، فلربما قالوا إنّك لما لم تكن صادقاً في قولك : إنّ الله يناجيك ، ذهبت بهم فقتلتهم ، فعند ذلك أحياهم الله وبعثهم معه. وهذا هو مقاله. يقول سبحانه عنه قال ربّ لو شئت أهلكتهم من قبل وإيّاي أتهلكنا بما فعل السُّفهاء منّا إن هي إلاّفتنتك.
فلو كان هناك سؤال من موسى فإنّما كان بعد هذه المرحلة ، وبعد إصابة الصاعقة للسائلين وعودهم إلى الحياة بدعاء موسى.
وعند ذلك يطرح السؤال الآتي :
هل يصحّ أن ينسب إلى الكليم ـ بعد ما رأى بأُمّ عينه ما أصاب القوم من الصاعقة والدمار ، إثر سؤالهم الرؤية ـ أنّه قام بالسؤال لنفسه بلا داع وسبب مبرر أو بلا ضرورة؟ أو أنّه ما قام بالسؤال ثانياً إلاّ بعد إصرار قومه وإلحاحهم عليه أن يسأل الرؤية لا لهم بل لنفسه ، حتى تحصل رؤيته لله مكان رؤيتهم ، فيؤمنوا به بعد إخباره بالرؤية؟
لا شكّ أنّ الأوّل بعيد جداً لا تصحّ نسبته إلى من يملك شيئاً من العقل والفكر ، فضلاً عن نبي عظيم مثل الكليم. كيف وقد رأى جزاء من سأل الرؤية ، فالثاني هو المتعين ، وفي نفس الآية قرائن تدلّ على أنّ السؤال في المرة الثانية كان بإصرار القوم وإلحاحهم ، وكفى في القرينة قوله أَتُهلكنا بما فعل السُّفهاء حيث يعد السؤال من فعل السفهاء ، ومعه كيف يصحّ له الإقدام بلا ملزم ومبرر أو بلا ضرورة وإلجاء ، وبما أنّ الله سبحانه يعلم بأنّه لم يقدم إلى
ــــــــــــــــــ
١ ـ الأعراف : ١٥٥ ـ