المستحيلة ، وقد أعقب السؤال نزول الصاعقة وإهلاك القوم ، ولكن المراد من الأوّل هوحصول العلم الضروري ، وإنّما سمي بالرؤية للمبالغة في الظهور. وله نظائر في القرآن كقوله سبحانه : (وَكَذلِكَ نُري إِبْراهيمَ مَلَكُوتَ السَّمواتِ وَالأَرْض ولِيَكُونَ مِنَ المُوقِنين ) (١) وقوله عزّ من قائل : (كَلاّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اليَقينِ * لَتَرَوُنَّ الجَحيم). (٢)
فالكليم أجلّ من أن يجهل امتناع الرؤية الحسية بالأبصار ، خصوصاً في الدنيا التي يسلّم الخصم امتناعه فيها. فهذا قرينة على أنّ مقصوده منها هو العلم الضروري من دون استعمال آلة حسية أو فكرية. فالله سبحانه لما اصطفاه برسالته وتكليمه وهو العلم بالله من جهة السمع ، رجا أن يزيده بالعلم من جهة الرؤية ، وهو كمال العلم الضروري ، فأُجيب بالنفي ، وأنّ الإنسان ما دام شاغلاً بتدبير بدنه ، لا ينال ذاك العلم.
هذا ، والأصح هو الجواب الأوّل ، وأنّه لم يكن هنا إلاّ طلب واحد بإصرار من قومه.
إكمال
بقي الكلام في ارتباط قوله سبحانه : وَلكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني بما قبله لن تراني وقد قيل في وجه ارتباطه وجهان ، والثاني هو المتعيّن ، وإليك بيانه :
الأوّل ما ذكره صاحب الكشاف ، وحاصله ، أنّ اندكاك الجبل كان ردّ فعل لطلب الرؤية حتى يقف موسى على استعظام ما أقدم عليه من السؤال ، وإن كان بإلحاح قومه وإصرارهم ، وكأنّه عزّ وجلّ حقّق عند طلب الرؤية ما ذكره في مورد آخر ، أعني : نسبة الولد إليه ، أعني قوله : وتخرّ الجبال هداً* أن دعوا للرّحمن ولداً. (٣)
ــــــــــــــــــ
١ ـ الأنعام : ٧٥.
٢ ـ التكاثر : ٥ ـ ٦.
٣ ـ الكشاف : ١/٥٧٥.