الغاية من التكليف إلاّ التكامل الروحي ، والانسلاخ من المادة والماديات ، والانسلاك في عداد الروحانيين وليس هذا ممّا يحصل بوقوع البصر على ذاته لحظة أو لحظات ، إلاّ أن تحولهم الرؤية إلى إنسان مثالي قد أتم كمالاته ، وهل هذا يحصل بصرف الرؤية؟ لا أدري ، ولا المنجم يدري ، ولا الرازي يدري.
وأقصى ما يعطيه النظر بالأبصار ، هو الإذعان وحصول العلم الضروري بوجوده سبحانه عن طريق الحس ، وأين هذا من إنسان مثالي صار بالعبادة والطاعة مثلاً لأسمائه ، ومجالي لصفاته ، وترفع عن حضيض المادية ، متوجهاً إلى عالم التجرد.
٣ ـ إنّه لما تمت الدلائل على صدق المدّعى ، كان طلب الدلائل الأُخرى تعنتاً ، والتعنت يستوجب التعنيف.
يلاحظ عليه : أنّ بني إسرائيل أُمّة معروفة بالجدل والعناد ، وكانت حياتهم مملوءة بالتعنت. فلماذا لم تأخذهم الصاعقة إلاّ في هذا المورد؟
وهذا يكشف عن كون التعنت في المورد ذا خصوصية ، وليست هي إلاّ لأجل إصرارهم على الرؤية عن طريق التكبر والعتو ، على تحقّق أمر محال.
٤ ـ لا يمنع أن يعلم الله أنّ في منع الخلق عن رؤيته في الدنيا ضرباً من المصلحة المهمة ، فلذلك استنكر طلب الرؤية في الدنيا. (١)
يلاحظ عليه : إذا كانت الرؤية أمراً ممكناً وجزاءً للمؤمنين في الآخرة ، وقد اقتضت المصلحة منعها عن الخلق في الدنيا ، فما معنى هذا التفزيع والاستنكار والاستفظاع؟ فهل طلب شيء خال عن المصلحة ، يوجب نزول الصاعقة والإحراق بالنار؟
لم تكن هذه المحاولات الفاشلة صادرة عن الرازي لتبنّي الحقّ والبخوع
ــــــــــــــــــ
١ ـ راجع تفسير الرازي : ١/٣٦٩ ، ط مصر في ثمانية أجزاء.