أقول : واعتراضه على كلام البزار غير وارد ، وقد نشأ من عدم فهمه مرامه ، فان معنى كلامه هو : ان حديث النجوم يقتضي جواز اختلاف الصحابة في الاحكام الشرعية ، وان الناس من أيهم أخذوا كانوا على الهدى ، لكن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يبيح الاختلاف من بعده منهم ، فالحديث منكر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم.
هذا اصل استدلال البزار على نكارة هذا الحديث من جهة معناه بعد ان أبطله من جهة سنده ، واما كلام ابن عبد البر فغير متوجه عليه ، إذ لو سلمنا قوله بأن الأمر بالاقتداء في الحديث متوجه الى جهال الامة ، وان النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يأمر باقتداء بعض الاصحاب ببعض فان الاشكال ـ وهو لزوم إباحة الاختلاف ـ باق على حاله.
وذلك : لان حديث النجوم يدل بوضوح على ان كل واحد من الصحابة اهل للاقتداء به ، وان اختلافهم غير مانع عن ذلك ، فيجوز الاقتداء بكل واحد من المختلفين ، وهذا الأمر يجوّز الاختلاف والتفرق في الدين ويؤدي الى اختلاف الامة لا محالة.
وباختصار : أمره صلىاللهعليهوآلهوسلم الامة بالاقتداء بالاصحاب ـ وهم مختلفون فيما بينهم أشد الاختلاف ـ يستلزم :
١ ـ جواز اختلاف الاصحاب في المسائل الشرعية والاحكام الدينية.
٢ ـ إباحة وقوع الاختلاف في الامة.
ولكن الاختلاف منهي عنه كتابا وسنة « فالحديث منكر عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ».
وإليك بعض كلمات ابن عبد البر نفسه في هذا الشأن فانه قال ما نصه : « وقد ذكر المزني رحمهالله في هذا حججا أنا أذكرها هنا ان شاء الله. قال المزني : قال الله تبارك وتعالى : ( وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ) فذم الاختلاف ، وقال ( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا ... )