وهذه الأخبار على اختلاف مضامينها وتعدد أسانيدها ، لا يبعد دعوى القطع بصدور بعضها ، فيكون دليلا قاطعا على جواز التقليد ، وإن لم يكن كل واحد منها بحجة ، فيكون مخصصا لما دلّ على عدم جواز اتباع غير العلم والذم على التقليد ، من الآيات والروايات.
______________________________________________________
كلّ أمر يعرفه أهل خبرته إليهم ، إلّا أنّ هذا البناء وحكم العقل قابل للردع عنه ، حيث يمكن للشارع إلغاء التقليد في الحكم الشرعيّ الفرعيّ بالأمر بالاحتياط في كلّ واقعة لم يتفق العلماء الموجودون في عصره على نفي التكليف فيها ، وإذا أمكن ذلك واحتمل العاميّ الردع فلا يفيده الحكم العقليّ الفطريّ ، وقوله قدسسره : لو لا ذلك الفطريّ عند العاميّ لانسدّ على العاميّ باب العلم بجواز التقليد ، ممنوع ؛ إذ اللازم على العاميّ علمه بجواز التقليد له في المسائل التي يبتلى بها ، وهذا يحصل من الاستدلال ، والاستدلال لا يتوقّف على تمكّنه وإحاطته بجميع ما يكون دليلا للجواز عند الفقيه ، بل على العاميّ أن يعتمد على علمه الحاصل من فتوى علماء عصره العدول المعروفين ومن كان قبل عصره ، والجزم بأنّه لو منع الناس عن الرجوع إلى العلماء في تعلّم الفتوى والعمل به وأوجب عليهم الاحتياط لما أفتى هؤلاء بالجواز ، وجواز الاقتصار بالعمل على طبق الفتوى المعتبر ، وبهذا أيضا يقنع نفسه في مسألة لزوم تحصيل العلم واليقين في الاعتقاديّات ورفع اليد عن حكم الارتكاز ، بأنّه لو لم يجب ذلك على الناس وجاز التقليد فيها لما أفتوا بوجوب تحصيل العلم واليقين والاعتقاد ولو بدليل يقنع نفسه.
وقد يقال : إنّه لو لم يتمكّن العاميّ من تحصيل العلم بجواز التقليد كان اللازم في حقّه بحكم العقل هو الاحتياط في الوقائع بالأخذ فيها بأحوط الأقوال من العلماء المعروفين في عصره ؛ لأنّه لا يعلم بثبوت تكاليف زائدة في حقّه في الوقائع التي