وأما غيره ، فقد اختلفوا في جواز تقليد المفضول وعدم جوازه ، ذهب بعضهم إلى الجواز ، والمعروف بين الأصحاب ـ على ما قيل ـ عدمه وهو الأقوى ، للأصل ، وعدم دليل على خلافه ، ولا إطلاق في أدلة التقليد بعد الغض عن نهوضها على مشروعية أصله ، لوضوح أنها إنما تكون بصدد بيان أصل جواز الأخذ بقول العالم لا في كل حال ، من غير تعرض أصلا لصورة معارضته بقول الفاضل ، كما هو شأن
______________________________________________________
الأعلميّة.
والحاصل أنّ السيرة المشار إليها تكون دليلا قاطعا على تعيّن الأخذ بقول أعلم المجتهدين فيما إذا احرز اختلافهم في المسائل ولو بالعلم الإجماليّ ، وإلّا فما ذكروه من أنّ الأخذ بقول الأعلم من دوران الأمر بين التعيين والتخيير في الحجّة ، وأنّ الشكّ في اعتبار قول غير الأعلم كاف في الحكم بعدم اعتباره في الوقائع التي يبتلى العاميّ بها أو يحتمل ابتلاءه لا يفيد شيئا ، فإنّ مع سقوط دليل اعتبار الفتوى بعدم شمول ما دلّ على اعتباره للمتعارضين يمكن الإشكال في اعتبار الفتوى مع التعارض والاختلاف ، ويحتمل كون وظيفة العاميّ الأخذ بأحوط الأقوال فلا يكون في البين دوران الحجّة بين التعيين والتخيير.
وأمّا ساير ما يقال في تقديم قول الأعلم من الوجوه من دعوى الإجماع عليه ، أو دلالة مقبولة عمر بن حنظلة على الترجيح بالأعلميّة ، أو قول مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام في عهده إلى مالك الأشتر : «اختر للقضاء بين الناس أفضل رعيّتك» (١) ، أو كون فتوى الأعلم أقرب إلى الواقع ، كلّها مخدوشة ، فإنّه لا مجال لدعوى الإجماع التعبّدي في مثل المسألة ، والمقبولة واردة في ترجيح القضاء
__________________
(١) انظر نهج البلاغة : ٤٥١ ، الكتاب رقم ٥٣. طبعة دار الثقلين.