ويظهر من جميع ذلك أنّ مبنى عمل الأصحاب في ردّ الشهادة بالتهمة وعدمها غير معلوم ولا مضبوط ، والظاهر أنّهم يردّونها غالباً في مواضع يكون فيها دليل آخر أيضاً ، بل شذّ ما لم يوجد فيه دليل آخر وردّوا بها الشهادة ، وهذا يوهن أخبار الردّ بها ودلالتها.
ويظهر من الجميع مرجوحيّة أخبار الردّ عن أخبار قبول خبر العدل بمراتب كثيرة ، بل لنا أن نقول : إنّه يمكن أن يكون المراد بالمتّهم في تلك الأخبار : مجهول الحال ، حيث إنّ الغالب أنّ مع ثبوت العدالة لا تحصل التهمة.
ويمكن أن يكون المراد ولعلّه الظاهر أن المتّهم أولاً بفعل المعاصي أو بمعصية مخصوصة أو بالكذب أو بشهادة الزور غير مقبول الشهادة ؛ لأنّه ليس بعادل معروف ؛ لأنّه لا يعرف مع ذلك الوصف أولاً بالعدالة ، فيكون المراد بيان عدم عدالة المتّهم أولاً ، لا أن يكون يُعرف أولاً بالعدالة ثم يتّهم حتى تستصحب عدالته.
والحاصل : أنّ المراد بيان أنّ من كان متّهماً ابتداءً ليس مقبول الشهادة أي ليس عادلاً كما أنّ المظنون فسقه أو المشكوك أولاً ليس بعادل وإن حكم بعدالته لو حصل الشكّ بعدُ بالمعرفة.
فإن قيل : في صحيحة العجلي : « إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بينما هو بخيبر إذ فقدت الأنصار رجلاً منهم ، فوجدوه قتيلاً ، فقالت الأنصار : إنّ فلان اليهودي قتل صاحبنا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم للطالبين : أقيموا رجلين عدلين من غيركم أقده برمّته » الحديث (١).
__________________
(١) الكافي ٧ : ٣٦١ ، ٤ ، التهذيب ١٠ : ١٦٦ ، ٦٦١ ، علل الشرائع : ٥٤١ ، ١ ، الوسائل ٢٩ : ١٥٢ أبواب دعوى القتل وما يثبت به ب ٩ ح ٣.