قلنا : الواجب هو الشهادة بما هو عنده ، لا بالملك المطلق والشيء المستصحب مطلقاً ، فالمعنى : أنّه لم يشهد أنّه كذا وكذا ، وإن وجبت الشهادة بأنّه كان كذا وكذا ، ولم يعلم حدوث شيء.
وبذلك جمع في الوافي بين تلك الرواية وبين الموثّقة الأُولى ، فقال في بيانها : وإنّما تجوز الشهادة على أنّه كان له ، لا على أنّه الآن له ، وبهذا يجمع بينه وبين الخبر الآتي ، حيث حكم بعدم جواز الشهادة في مثله (١). انتهى.
هذا ، ثم إنّه يظهر من بعض الفضلاء المعاصرين : أنّ جواز شهادة الشاهد بالاستصحاب إنّما هو إذا كان البقاء معلوماً له أو مظنوناً ، ولم يكن اتّكاله على مجرّد الاستصحاب وإن كان شاكّاً أو ظانّاً خلافه.
قال : فكما أنّ المجتهد قد يرجّح الظاهر على الأصل ، ويقطع الاستصحاب بسبب ظهور خلافه وأظهريّته ، ويسقط عنده عن درجة الحجّية ، فكذلك الشاهد في إخباره ، قد يكون على ظنٍّ بما علمه سابقاً ، وبأنّه باقٍ لعدم سنوح سانحة ، ووجود أمارات تفيد الظنّ بالبقاء ، وقد تسنحه سوانح تزلزله عن ذلك الظنّ ، ويصير شكّاً أو وهماً ، فحينئذٍ لا يمكنه الإخبار ، لا بالعلم ولا بالظنّ (٢). انتهى.
وفيه : أنّه مبنيّ على ما تقرّر عنده ، من أنّ حجّية الاستصحاب من جهة إفادته الظنّ ، وأمّا على التحقيق المستفاد من أدلّته من أنّه حجّة بنفسه ولو لم يفد الظنّ فلا وقع لذلك الكلام.
المسألة الثامنة : كلّ ما ذكر إنّما هو في بيان تكليف الشاهد ووظيفته
__________________
(١) الوافي ١٦ : ١٠٣٤.
(٢) انظر رسالة في القضاء ( غنائم الأيام ) : ٧١٠.