ومنها : ما قيل في النسب من أنّه أمر لا مدخل فيه للرؤية ، وغاية الممكن رؤية الولادة على فراش الإنسان ، لكن النسب إلى الأجداد المتوفّين والقبائل القديمة لا تتحقّق فيه الرؤية ومعرفة الفراش ، فدعت الحاجة إلى اعتماد التسامع والاستفاضة (١).
وفيه أولاً : أنّ الاستفاضة إن لم تكن مثبتة لشيء ومعتمداً عليها فكيف تصلح مستندة للشاهدين؟! وإن كانت مثبتة ومعتمداً عليها فيثبت بها النسب عند الحاكم ، الذي عليه أن يحكم بعلمه ، وكذا كلّ من اطّلع على الاستفاضة ، فإنّ كلّ أحد مكلّف بعلمه ، فلا حاجة غالباً إلى شهادة الشاهدين ، التي يجب أن تكون مستندة إلى الحسّ ، فثبت النسب بالاستفاضة عند الحاكم وغيره.
وإن لم تجز الشهادة لأجلها والحاجة أحياناً إلى إثباته عند حاكم بشاهدين كما لم يمكن الإثبات بالاستفاضة عند الحاكم ووقع تنازع لا تصير دليلاً لإثبات أمر مخالف للنصّ والأصل ، وإلاّ لثبت بالاستفاضة كلّ شيء ؛ إذ ليس شيء إلاّ وقد يتعذّر إثباته بشاهدين مشاهدين للمشهود به ، بل يمكن التعدّي إلى غير الاستفاضة أيضاً.
وثانياً : إنّا نسلّم جواز الشهادة في النسب بالاستفاضة ، ولكن لا لكونه مستثنى ، ولا لدعاء الحاجة وعدم الاطّلاع على الفراش والولادة.
بل لأنّا نقول : إنّ النسب الشرعي هو ما اشتهر واستفاض ، فابن الشخص مَن شاع وذاع بين الناس ببنوَّته له من غير معارض.
فإنّا لا نقول : إنّ ابن شخص شرعاً مثلاً منحصر بمن انعقد من
__________________
(١) انظر المسالك ٢ : ٤١٠ ، الرياض ٢ : ٤٤٧.