أقول : إن كان المراد في هذه الأخبار : أنّ هذه الأُمور نفس العدالة ، لأمكن القول بتعارضها ، ويكون بالتباين لا بالعموم والخصوص المطلقين.
أمّا لو كان المراد التعريف باللوازم والآثار فلا تعارض أصلاً ، كما لا تعارض بين قولك : يعرف الإنسان بالنطق والضحك ، وقولك بالكتابة واستقامة القامة ؛ ولا بين قولك : تعرف النار بالإحراق ، وقولك : تعرف بالإحراق والدخان.
نعم ، يعارض مفهوم الشرط في الصحيحة في قوله : « فإذا كان كذلك لازماً » إلى آخره ، وقوله : « ومن رغب عن جماعة المسلمين » وقوله : « من لزم جماعتهم » إلى آخره الأخبار الثلاثة بالعموم من وجه ، وكذا قوله فيها : « وكيف تقبل شهادة أو عدالة بين المسلمين ».
وعلى هذا ، فإن رجّحنا الصحيحة بالمرجّحات المتقدّمة ، وإلاّ فيرجع إلى الأصل ، وهو أيضاً مع الصحيحة ، بل لنا أن نقول : إنّه قد عرفت أنّ ما يستفاد من الأخبار الثلاثة من كون العدالة هي ما ذكر فيها أو ملزوماً له إمّا لا قائل به منّا أصلاً ، أو شاذٌّ نادرٌ لا يُعبأ به ، وثبت على خلافه الإجماع ، ومثل ذلك الخبر لا يكون حجّة البتّة ، فلا يكون للصحيحة معارض صالح للمعارضة ، فتكون هي المرجع في معرفة العدالة.
ولكن لو لم نقل أنّها ظاهرة في إرادة الملكة يكون مدلول الصحيحة في معنى العدالة مردّداً بين معنيين :
أحدهما : الهيئة النفسانيّة التي ذكرها المتأخّرون.
وثانيهما : الأوصاف الظاهرية ، كما هو أحد احتمالي كلمات القدماء. وتلك الأوصاف وإن كانت مختلفة في عباراتهم إلاّ أنّ مرجع الجميع الى أُمور متقاربة ، بل أمر واحد.