السبب فتأمل.
ودعوى ـ كون المعتبر في عقد الرهن أن لا يسبق بتمامه الحق ، لا بعضه ـ لا شاهد لها ، بل الشواهد بخلافها ، ضرورة ظهور الآية (١) والنصوص ، (٢) بتعقب الرهن بتمامه للحق ، حتى يصدق أنه استوثق على ماله ، وليس الاستيثاق الذي هو بمعنى الرهن الجزء الأخير من القبول ، حتى يكون قد تأخر عن ثبوت الحق ، أو قارنه ، بل هو عبارة عن تمام عقد الرهن ، كما أنه ليس في عقد الرهن ما يقضي بالفرق بينه وبين غيره من العقود ، المعلوم تأخر تمام عقودها عما يعتبر في صحتها ، فلو أوجب البيع مثلا على ما لا يصح بيعه ، ثم انتقل إلى الصحة قبل تمام القبول أو قبل الشروع فيه لم يصح قطعا.
بل حكي عمن جوز ما نحن فيه من العامة الاعتراف ببطلان قول المولى لعبده كاتبتك على ألف ، وبعتك هذا الثوب بكذا ، فقال العبد : قبلتهما ، أو قال : قبلت الكتابة والبيع ، والفرق بين المقامين صعب ، وأطرف شيء اشتراط الشافعية في الجواز تقدم إيجاب البيع على إيجاب الرهن ، إذ تقدمه بعد عدم تأثيره الحق في الذمة غير مجد ، فلا فرق بين تقدم إيجاب البيع عن إيجاب الرهن وتأخره ، كما هو واضح.
وبالجملة جواز ذلك غير متجه على أصولنا ، فما يحكى عن مالك ، والشافعي وأحمد ، وأصحاب الرأي من الجواز في غاية الضعف ، ومن الغريب تردد بعض الأساطين من أصحابنا فيه ، ففي القواعد « لو شرك بين الرهن وسبب الدين في عقد ففي الجواز إشكال ، ينشأ من جواز اشتراطه في العقد ، فتشريكه في متنه آكد ، أي في الالتزام ، لاحتمال عدم الوفاء بالشرط ، ومن توقف الرهن على تمامية الملك ، لكن يقدم السبب فيقول : بعتك هذا العبد بألف وارتهنت الدار بها ، فيقول : اشتريت ورهنت ، ولو قدم الارتهان لم يصح » وفي الدروس « وهل يجوز مقارنة الرهن للدين؟ فيه وجهان ، فيقول : بعتك الدار بمأة وارتهنت العبد ، فيقول قبلتهما أو
__________________
(١) سورة البقرة الآية ٢٨٣.
(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الرهن.