ومن ذلك يعلم ما في المحكي عن المبسوط من أنهم ان اختلفوا فاختار المفلس رجلا ، والغرماء آخر ، نظر الحاكم فإن كان أحدهما ثقة ، والآخر غير ثقة مضى الثقة ، وإن كانا ثقتين إلا أن أحدهما بغير أجرة أمضاه ، وإن كانوا جميعا بأجرة قبل أوثقهما وأصلحهما للبيع ، وعن التذكرة أنه زاد وإن كانا متطوعين ضم أحدهما إلى الآخر ، لأنه أحوط ، وفي جامع المقاصد بعد أن حكي ذلك قال : ومن هنا يعلم أن عبارة القواعد التي هي كعبارة الكتاب تحتاج إلى تنقيح.
قلت : الأمر في ذلك سهل ، ضرورة معلومية تتبع الحاكم التراجيح التي لا يسع للفقيه حصرها ، وإنما المهم تنقيح ما قدمناه ، فتأمل جيدا. والله أعلم.
وكيف كان ف إذا لم يوجد من يتبرع بالبيع ولا بذلت الأجرة من بيت المال المعد للمصالح التي هذه من جملتها ، لعدم سعته لذلك ، أو لأهمية صرفه في غيره ، ولا من تبرع بها وجب أخذها من مال المفلس ، لأن البيع واجب عليه بل الأقوى عدم وجوب أخذها من بيت المال ، بل أطلق في القواعد كون الأجرة عليه ، كما أنه أطلق تقدم أجرة الكيال والوزان والحمال ، وما يتعلق بمصلحة الحجر على سائر الديون ، اللهم إلا ان يريد ما في محكي التذكرة من أن مؤنة الأموال كأجرة الوزان والناقد والكيال والحمال والمنادي وأجرة البيت الذي فيه المتاع مقدمة على ديون الغرماء ، لأنها لمصلحة الحجر ، وإيصال أرباب الحقوق حقهم ، ولو لم تقدم لم يرغب أحد في تلك الاعمال ، وحصل الضرر للمفلس والغرماء.
هذا كله إذا لم يوجد متطوع بذلك ، ولا في بيت المال سعة له ، فإن وجد متطوع أو كان في بيت المال سعة لم يصرف مال المفلس إليها ، ومقتضاه عدم جواز أخذها من مال المفلس ، مع وجود بيت المال ، مع أن ذلك لضرورة وفاء دينه ، فكيف لا يجوز صرفه من ماله ، فلا ريب في أن الأقوى الجواز ، بل الأحوط عدم الأخذ من بيت المال إلا أن يعطى للمفلس من حيث فقره ، بل ينبغي وفاء دينه عنه ، بل قد سمعت خبر محمد بن سليمان (١) وقد تقدم في آخر باب القرض ما يدل من النصوص (٢) على وجوب
__________________
(١) الوسائل الباب ٩ من أبواب الدين الحديث ٣.
(٢) الوسائل الباب ٩ من أبواب الدين الحديث ٢.