في المسالك « إنما يمنع المولى من فكه مع عدم المصلحة في فكه ، فلو فرضت بأن كان كسوبا يثمر مالا إلى حين القسمة وقيمته باقية فله فكه لمصلحة » قلت : قد يمنع أيضا معها ، لتعلق الحق في المال على وجه لا يتصرف به إلا في بيعه للوفاء ، وان اتفق حصول مصالح للمفلس ، وكذا لو كان له رهن على دين مؤجل وكانت المصلحة في فكه ، لم يلتزم الغرماء بذلك ، فلعل إطلاق المصنف وغيره المنع لا يخلو من قوة.
ولو كان الجاني المفلس بما يوجب مالا ، كان المجني عليه أسوة الغرماء ، كما قدمناه سابقا ، إذ الفرق بينه وبين عبده بالتعلق بالذمة والعين واضح ، ولو كانت جنايته عمدا فصالح على الدية لم يشارك ، بناء على أن الواجب أولا القصاص ، وأن الدية تثبت بالصلح. نعم لو قلنا الواجب أحد الأمرين من أول الأمر والخيار بيد المجني عليه ، أمكن القول حينئذ بالمشاركة للغرماء ، بل لو قلنا في الصلح أنه ليس من قبيل المعاوضات ، وإنما هو إسقاط لحق القصاص ، ورجوع إلى الدية الثابتة شرعا أمكن القول بالشركة ، فيكون الفرق بين القولين أن الخيار في الأول بيد المجني عليه ، والثاني بأيديهما معا ، ولعل قوله تعالى (١) ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ ) إلى آخره لا يخلو من اشعار بذلك ، وكأنه لذا لم يجزم الفاضل في التذكرة بعدم المشاركة في الصلح أيضا ، فإنه بعد أن حكى عن أحمد المشاركة مطلقا قال : ويحتمل عندي أن لا يشارك ، لأن الجناية موجبها القصاص. وإنما يثبت المال صلحا وهو متأخر عن الحجر ، فلا يشارك كما لو استدان فتأمل جيدا والله أعلم هذا تمام الكلام في حكم المفلس.
ولكن يلحق بذلك النظر في حبسه بل حبس كل مديون فنقول :لا يجوز حبس المعسر مع ظهور إعساره سواء كان مفلسا أي منعه الحاكم من التصرف فيما يتجدد من الأموال ، أولا ، للأنظار المأمور به في الكتاب والسنة ، بل
__________________
(١) سورة البقرة الآية ١٧٨.