فالرسول (ص) لم يفرض طاعة الإمام أمير المؤمنين (ع) على أصحابه ، وإنما الله فرضها على جميع المسلمين. ولا ريب أن السبب في ذلك عظيم اتصال أمير المؤمنين بالله تعالى ومواهبه المتعددة وعبقريته إذ ليس في المسلمين من يدانيه في مآثره وفضائله. قال الجاحظ : « لا يعلم رجل في الأرض متى ذكر السبق في الإسلام والتقدم فيه ، ومتى ذكرت النجدة والذب عن الإسلام ، ومتى ذكر الفقه في الدين ، ومتى ذكر الزهد في الدنيا ومتى ذكر الإعطاء في الماعون ، كان مذكورا في هذه الخصال كلها ، إلا علي رضياللهعنه » (١).
أثر مجزرة كربلاء على الإمام السجاد :
قبل المجزرة :
نشأ الإمام زين العابدين في بيت النبوة ، بيت الوحي الذي تحمل المحن المتتالية والآلام القاسية والمصائب المؤلمة وكلها كانت في سبيل الله. استقبل الإمام (ع) في طفولته المبكرة محنة جده أمير المؤمنين (ع) وهو يتخبط بدمه في مسجد الكوفة بعد أن طعنه بخنجر مسموم ابن ملجم لعنه الله.
وبعدها في سن الشباب عاش محنة عمه الحسن وهو يلفظ كبده من السم الذي دسه إليه معاوية بن أبي سفيان (٢). وتجرع في شبابه أيضا ، وهو طريح الفراش من مرض فتك به آنذاك ، مصرع أبيه الإمام الحسين (ع) سيد الشهداء ، ومصرع إخوته وبني عمومته.
__________________
(١) ثمار القلوب للثعالبي ، ص ٦٧.
(٢) أمه هند آكلة الأكباد وقد استعمل معاوية السم في العسل مع كثير من خصومه ، وهو القائل : « إن لله جنودا من عسل ».