الإسلامية على المغنين والمطربين والعابثين من أجل نزوات الملوك الرخيصة ورغباتهم الحقيرة. وذلك في وقت أخذ الفقر والبؤس فيه يشد على خناق المواطنين ، ولم يعد للاقتصاد الإسلامي أي وجود في واقع الحياة العامة. ولا يخفى أن هذه صفات الحكم الدكتاتوري الذي يسير وراء الأهواء والعواطف ولا يتقيد بقانون أو دين أو أخلاق.
شيوع الغناء :
شاع الغناء في المدينة المنورة حتى أصبحت مركزا له ومقصدا للمغنين والمغنيات من شتى البلدان. قال أبو الفرج الأصفهاني : إن الغناء في المدينة لا ينكره عالمهم ، ولا يدفعه عابدهم (١) وقال أبو يوسف لبعض أهالي المدينة : ما أعجب أمركم يا أهل المدينة ، في هذه الأغاني ، ما منكم شريف ولا دنيء يتحاشى عنها (٢).
وكان العقيق إذا سال ، وأخذ المغنون يلقون أغانيهم لم يبق في المدينة مخبأة ، ولا شابة ولا شاب ، ولا كهل إلا خرج ببصره ويسمع الغناء (٣). ومن طريف ما ينقل أنه شهد عند عبد العزيز المخزومي ، قاضي يثرب دحمان المغني الشهير لرجل من أهل المدينة على رجل من أهل العراق فأجاز القاضي شهادته وعدله ، فقال له العراقي : إنه يغني ويعلم الجواري الغناء ، فقال القاضي : غفر الله لنا ولك ، وأينا لا يتغنى (٤).
وكان فقيه المدينة مالك بن أنس له معرفة تامة بالغناء ، فقد روى حسين بن دحمان الأشقر ، قال : كنت بالمدينة فخلا لي الطريق وسط النهار فجعلت أغني :
__________________
(١) الأغاني ، ج ٨ ، ص ٢٤٤.
(٢) العقد الفريد ، ج ٣ ، ص ٢٣٣.
(٣) العقد الفريد ، ج ٣ ، ص ٢٤٥.
(٤) الأغاني ، ج ٦ ، ص ٢١.