مقتل الحسين يسدل الستار على الفصل الأخير على المسرحية الكربلائية وما نحسبه يسدل حتى تتبدل الأرض ومن عليها!
الإمام الحسين (ع) باق في المهج والأرواح ، ومأساة الحسين مأساة إنسانية خالصة تأخذ بلب كل إنسان وتستثير مشاعر جميع الشرفاء.
الحسين شهيد وإمام الشاهدين ، والشاهدية حضور تام في الذات والمجتمع والكون ، تولد منها الشهادة عملا لذلك الحضور. إن الغمامة المحملة بإيحاءات البحر ، ونسمات الفلك فتحت فمها لتقول كلمة الحق ، كلمة العودة إلى المنبع ، مثلما تئن الأوتار والنايات وتصفر العلائم الموسيقية منسلة من الجسد لتعود إلى قلب الأرض وهي تحدو حول الشمس حداء الصيرورة ، وهو في الوقت ذاته نشيد الحب الأكبر والجمال الأعظم والجلال المطلق.
كلمة الحسين الشاهدة الملتزمة تقول الموت البطولي كما لم تقله شهادة في تاريخ الأرض ، لأنها عبارة جده الرسول الأعظم التي كتبها من فوح القرآن وسوف تبقى ما بقي أنبل إنسان ، ولا يستطيع أن يخفيها أو يغيّر مجراها بنو مروان أو بنو سفيان مهما تصعنوا في الظلم والبهتان.
خطبته في المدينة :
والناس يزدحمون حول فسطاطه وكان معه بشر بن حذلم ، خرج الإمام ليقابل الجموع الغفيرة المحتشدة لتقدم التعازي ، ومعه خرقة يمسح بها دموعه. أخرج الخادم له كرسيا فجلس عليه وهو لا يتمالك من العبرة ، ارتفعت أصوات الناس بالبكاء من حوله فأومأ بيده إليهم أن اسكتوا وقال : « الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، ملك يوم الدين ، بارىء الخلق أجمعين الذي بعد فارتفع في السماوات العلى ، وقرب فشهد النجوى نحمده على عظائم الأمور وفجائع الدهور وألم الفجائع ومضاضة اللواذع وجليل الرزء وعظيم المصائب الفاظعة الكاظة الفادحة الجائحة. ثم