حزنت مدينة الرسول حزنا عميقا على العترة الطاهرة وأقامت أياما بلياليها تشهد المأتم الرهيب لا يعكر صفوها سوى اليتامى والأرامل والثكالى يسعين كل يوم إلى القبور فيبكي لهن الأصدقاء والأعداء.
زوج الإمام علي (ع) كانت تخرج إلى البقيع لتبكي أبناءها الأربعة : عبد الله وعثمان وجعفرا والعباس. وتندبهم بندبة حزينة تحرق قلب كل من سمعها ، حتى قلب مروان بن الحكم ، عدو الطالبيين.
والرباب عادت بعد مصرع أبيها إلى المدينة وبقيت تنوح وتبكي سنة حتى ضعفت وماتت.
وأما السيدة زينب بطلة كربلاء فدموعها غزيرة جدا لأن اللهيب في قلبها أطفأ تلك الدموع فهبت تطلب ثأرا ، لأن هذا الدم المسفوح لا ينبغي أن يضيع هدرا كان وجودها في المدينة كافيا لأن يلهب القلوب المؤمنة بالحق على الشهداء ، ويؤلب الناس على حكم الطغاة وجورهم ، وهذا ما ضايق الحكام الأمويين ، فكتبوا إلى واليهم في المدينة : « إن وجودها بين أهل المدينة مهيج للخواطر وإنها فصيحة عاقلة لبيبة ، وقد عزمت هي ومن معها على القيام للأخذ بثأر الحسين » عندها أمره الطاغية يزيد أن يفرق البقية الباقية من آل البيت في الأقطار والأمصار (١). ولما علمت عليهاالسلام بالخبر قالت غاضبة : « وقد علم والله ما صار إلينا قتل خيرنا وسيق الباقون كما تساق الأنعام وحملنا على الأقتاب فو الله لا خرجنا وإن أريقت دماؤنا ».
لم تعش السيدة زينب (ع) بعد مقتل أخيها الحسين الشهيد وإمام الشاهدين سوى عام ونصف العام ، لكنها استطاعت في هذه الفترة القصيرة أن تقلق مضاجع الأمويين وتغيّر مجرى التاريخ. لقد ظن حكام بني أمية أن
__________________
(١) بطلة كربلاء للدكتورة بنت الشاطىء.