تابع قائلا : إن الله وله الحمد ابتلانا بمصائب جليلة وثلمة في الإسلام عظيمة قتل أبو عبد الله وعترته وسبي نساؤه وصبيته وداروا برأسه في البلدان من فوق عامل السنان ، وهذه الرزية التي لا مثلها رزية.
أيها الناس فأي الرجالات منكم يسرون بعد قتله أم أي فؤاد لا يحزن من أجله ، أم أي عين منكم تحبس دمعها وتضن عن أنهما لها وأي قلب لا يتصدع لقتله ، وأي فؤاد لا يحن إليه ، وأي سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلمت في الإسلام ولا يصم. أيها الناس أصبحنا مطرودين مشردين مذودين شاسعين عن الأبصار من غير جرم اجترمناه ولا مكروه ارتكبناه ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين إن هذا إلا اختلاق ، والله لو أن النبي (ص) تقدم إليهم في قتالنا كما تقدم إليهم في الوصاية بنا لما زادوا على ما فعلوا بنا فإنا لله وإنا إليه راجعون من مصيبة ما أعظمها وأوجعها وأفظعها وأمرها وأفدحها فعند الله نحتسب ما أصابنا وما بلغ منا إنه عزيز ذو انتقام.
عندما سمع الجماهير خطابه هذا أثر في نفوسهم إلى حد بعيد فارتج المكان بالبكاء والعويل وشعر المسلمون بتلك الصدمة العنيفة التي أصابت الإسلام في الصميم. مما أثار في ضمائرهم الهامدة روح النضال والدفاع عن الحق المهدور ، ودب في نفوسهم الشعور بالإثم والتقصير ، فلم السكوت عن كرامتهم التي أصبحت تداس تحت أقدام يزيد الفاجر والمجرم بعد أن أقدم على قتل سبط الرسول وريحانته وسبى نسائه.
من هنا كانت ثورة التوابين والمختار بن أبي عبيدة الثقفي فقد استماتوا لأخذ ثأر الدم المهدور وذلك للتكفير عن تخاذلهم عن نصرة الإمام الحسين والخضوع للظالمين. ثم استمرت الثورات تقودها روح كربلائية حطمت عروش الأمويين الطغاة وقامت بعدها دولة العباسيين.
دخل الإمام زين العابدين المدينة وهو يكفكف دموعه ، فرآها موحشة يخيم على أهلها الحزن والأسى ، وديار أهله خالية تنعى سكانها فانصرف