عن شؤون الناس ولم يكن يعنيه شيء من الدنيا ومن فيها. فشرع يبكي على أبيه المظلوم وعلى أخوته وعمومته الشهداء حتى عده المحدثون من البكائين.
فماذا يعمل؟ أيأخذ بالثأر ، أم يصبر وفي العين قذى؟ إن الظروف لا تسمح له بأخذ الثأر وقد شاهد تلك المصيبة الفادحة والمؤلمة في كربلاء ، وأدرك أن وقعة الطف الدامية قد كفته أعباء الحرب بإظهارها ضلال الأمويين وظلمهم وطغيانهم. وهنا بعد أن تحمل أعباء الخلافة الإلهية من أبيه وأصبح حجة على خلقه ، آثر الاعتزال والبعد عن الضجيج ليحفظ دمه الذكي ودم شيعته الأبرار.
روى الشيخ الصدوق بإسناده عن أبي عبد الله (ع) قال : « البكاؤون خمسة : آدم ، ويعقوب ، ويوسف ، وفاطمة بنت محمد (ص) وعلي بن الحسين عليهمالسلام.
فأما آدم فبكى على الجنة حتى صار في خديه أمثال الأودية.
وأما يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصره وحتى قيل له : « تالله تفتىء تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين ».
وأما يوسف فبكى على يعقوب حتى تأذى به أهل السجن فقالوا له : إما أن تبكي الليل وتسكت بالنهار ، وإما أن تبكي النهار وتسكت بالليل فصالحهم على واحدة منهما.
وأما فاطمة فبكت على رسول الله حتى تأذى بها أهل المدينة ، فقالوا لها : قد آذيتنا بكثرة بكائك فكانت تخرج إلى مقابر الشهداء فتبكي حتى تنقضي حاجتها.
وأما علي بن الحسين فبكى على أبيه عشرين سنة ما وضع بين يديه طعام إلا بكى حتى قال له مولاه : أما آن لحزنك أن ينقضي فقال له : ويحك إن يعقوب النبي كان له اثنا عشر ابنا فغيب الله عنه واحدا منهم فابيضت عيناه من كثرة بكائه عليه وشاب رأسه واحد ودب ظهره من الحزن