وابنه حي في دار الدنيا وأنا نظرت إلى أبي وأخي وعمي وسبعة عشر رجلا من أهل بيتي مضرجين بدمائهم حولي فكيف ينقضي حزني.
وكان (ع) لا يترك مناسبة إلا ويذكر فيها ما جرى لأبيه وأسرته في كربلاء ، وأحيانا كان يبحث عن المناسبة ليحدث بما جرى لأهل بيته ، فيذهب إلى سوق الجزارين في المدينة ويقف معهم يسألهم عما إذا كانوا يسقون الشاة ماء قبل ذبحها ، وعندما يسمعهم يقولون : إنا لا نذبح حيوانا قبل أن نسقيه ولو قليلا من الماء. فيبكي ويقول : لقد ذبح أبو عبد الله غريبا عطشانا فيبكون لبكائه حتى ترتفع الأصوات بالنحيب.
كان إذا رأى غريبا في الطريق دعاه إلى ضيافته وطعامه ، ثم يبكي ويقول : لقد قتل أبو عبد الله غريبا جائعا عطشانا في طف كربلاء. إلى غير ذلك من المواقف التي كان يقفها بعد مقتل أبيه في السنين الأولى وذلك ليشحن النفوس بالحقد على الظالمين ويهيئها للثورة عندما يحين الوقت المناسب. كما ساهمت عمته زينب (ع) في هذا النوع من التحرك السياسي. هذا اللون من الحزن المتواصل يثير عواطف الجماهير ويغضبها ويدب فيها النقمة على يزيد الطاغية وجلاوزته المجرمين. إثر ذلك خيّم على المدينة جو من القلق ينذر بتفجير الموقف بين حين وآخر لقد استطاع الإمام زين العابدين وعمته العقيلة زينب (ع) تعبئة النفوس للثورة بترديدهما لتلك المأساة والنوح المتواصل الذي ألهب النفوس بانتظار الوقت المناسب للأخذ بالثأر.
مواقف الإمام من الصحابة والعلماء :
كان موقف الإمام (ع) من أصحابه وعلماء أهل زمانه النصح والإرشاد. ومراقبة أعمالهم وتقديم المشورة لهم تجاه أنفسهم وتجاه الأمة ، ليصحح الانحراف الذي يحصل عندهم ثم يدلهم على الموقف الإسلامي الصحيح للحوادث والسلوكيات وتوضيح مفاهيم الشريعة