والأخرى : ما رواه عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال عليهالسلام : « إذا كان لرجل على رجل دين فمطله حتّى مات ، ثمَّ صالح ورثته على شيء ، فالذي أخذه الورثة لهم ، وما بقي فهو للميت يستوفيه منه في الآخرة ، وفإن هو لم يصالحهم على شيء حتّى مات ولم يقض عنه ، فهو كلّه للميّت يأخذه به ». (١)
فالرواية الأولى تدلّ على أنّ المصالحة على مال مع جهل صاحب المال بمقداره لا يجوز ولا أثر لها. والرواية الثانية تدلّ على أنّ المصالحة مع صاحب المال بأقلّ منه لا يوجب براءة ذمّته عن الجميع مع جهل صاحب المال ، بل تؤثّر في المقدار الذي أعطاه فقط والباقي باق في ذمّته ، وإن لم يصالح مع صاحب المال أصلا حتى مات ، ولا مع ورثته حتى هلكوا فجميع المال يبقى في ذمّته.
وهذا الأخير هو مقتضى القواعد الأوّلية أيضا ، أي ولو لم تكن هذه الرواية في البين كان الحكم هكذا وكما ذكرنا.
والمقصود من ذكر هاتين الروايتين أنّ صحّة هذا الصلح حكم ظاهريّ ، ولا يحلّ للمدّعي الكاذب التصرّف فيما أخذه بعنوان مال المصالحة ، إلاّ فيما إذا أحرز رضا من يعطي المال وطيب نفسه على كلّ حال ؛ لما ذكرنا وتقدّم من أنّ ما يأخذه بعنوان مال المصالحة يكون من المقبوض بالعقد الفاسد واقعا ، وإن كان بحسب الظاهر صحيحا.
[ الأمر ] الثالث : أنّ الصلح نافذ وجائز بين الناس فيما إذا لم يكن أحلّ حراما كاسترقاق الحرّ ، أو استباحة المحرّمات كبضع المحارم وشرب الخمر وغير ذلك من المحرّمات ، أو حرّم حلالا كما أنّه لو صالحا وتسالما على أن لا يطأ حليلته أو لا يأكل اللحم أو لا ينتفع بماله وأمثال ذلك ممّا أحلّه الله له.
والدليل على ذلك قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « الصلح جائز بين الناس إلاّ صلحا أحلّ حراما أو
__________________
(١) « الكافي » ج ٥ ، ص ٢٥٩ ، باب الصلح ، ح ٨ ؛ « تهذيب الأحكام » ج ٦ ، ٢٠٨ ، ح ٤٨٠ ، باب الصلح بين الناس ، ح ١١ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ١٦٦ ، أبواب كتاب الصلح ، باب ٥ ، ح ٤.