وأمّا الثالث : أي فيما إذا كان أحد العوضين من المكيل والآخر من الموزون ، كالحنطة مع الدقيق ، بناء على أنّ الحنطة من الموزون والدقيق من المكيل ، فبناء على ما ذكرنا من صحّة بيع المكيل بالوزن جواز بيعهما متساويا بالوزن ؛ لما ذكرنا من أنّ الوزن أضبط وأدلّ في معرفة عدم الزيادة والنقصان الذي هو المناط في جواز بيع المتجانسين أحدهما بالآخر وزنا بوزن ومثلا بمثل ، وأمّا كيلا فلا يخلو من إشكال.
وأمّا قياس بيعهما من حيث لزوم الربا على بيعهما من حيث الغرر ، بأن يقال : إنّه كما يرتفع الغرر بكلّ واحد من الكيل والوزن ، فكذلك التساوي يحصل بكلّ واحد من الكيل والوزن.
ففي غير محلّه ؛ وذلك من جهة اختلاف الموضوع في المسألتين. فالموضوع في جواز البيع في باب الغرر هو ارتفاع الغرر والجهالة وعدم كونه جزافا ، والموضوع في باب الربا هو كون العوضين في متّحدي الجنسين أو ما كان في حكم متّحدي الجنسين متساويين بلا زيادة ولا نقصان ، فيمكن القول بارتفاع الغرر بكلّ واحد من الكيل والوزن. وأمّا التساوي وكونهما مثلا بمثل لا يتحقّق في الموزون إلاّ بالوزن ، وفي المكيل إلاّ بالكيل ، وفيما كان أحدهما مكيلا والآخر موزونا لا يحصل بكل واحد منهما.
فلا بدّ من علاج آخر لتصحيح بيعهما ، وهو أن يبيع كلّ واحد منهما بما هو من سنخه ، فالمكيل بالمكيل كيلا والموزون بالموزون وزنا ، أو يباع كلّ واحد منهما بغير جنسه كي يخرج عن موضوع الربا.
المسألة الخامسة : إذا كان البيع في شيء مختلفا بحسب الحالات ، فيباع في حال بمشاهدة وفي حال بالوزن. وذلك كما في بيع الأثمار ، فما دام الثمر على الشجر يباع بالمشاهدة ، ولكن بعد الانفصال يباع وزنا أو كيلا مثل التمر والعنب وغيرهما ، فالظاهر أنّه في كلّ حال يلحقه حكم ذلك الحال ، فإذا بيع أو صولح عليه في حال كونه على الشجر لا يدخل فيه الربا ؛ لعدم كونه مكيلا أو موزونا. وأمّا بعد الانفصال يدخل فيه ؛