الأولى بالمثل ، فإن تعذّر أو تعسّر فبالقيمة. وقد شرحنا هذه المسألة في قاعدة « وعلى اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه ». (١)
وسبب هذا الضمان قد يكون العقد كما في عقد الدين ، فإنّ حقيقة الدين هو تمليك شيء بضمانه الواقعيّ. وقد يكون اليد غير المأذونة وقد يكون الإتلاف ، وشرحنا كلّ واحدة من القاعدتين ، وإن شئت فراجع.
إذا عرفت ذلك ، فنقول : إذا تعذّر الوفاء بمضمون العقد من باب تلف أحد العوضين الشخصيّين أو لجهة أخرى ، فليس هناك ما يوجب الضمان لا اليد غير المأذونة ، ولا الإتلاف ، ولا عقد كان مفاده الضمان ، كلّ ذلك لم يكن.
وإن قلت : إنّ المسمى استقرّ في ذمّته ، فإذا تعذّر يجب عليه تفريغ ذمّته بإعطاء مثله أو قيمته.
قلنا : أمّا في المعاملات الواقعة على أشخاص الأموال الخارجيّة لا يشتغل ذمّته بشيء ، وإنّما المالك لتلك العين يخرجها عن ملكه ويدخلها في ملك طرفه ، فلم يستقرّ في ذمّته شيء ، وإنّما يجب عليه أداؤه إلى صاحبه الجديد تكليفا ، فإذا تعذّر يسقط هذا التكليف ، وليس شيء في البين يوجب الضمان.
وأمّا المعاملات الواقعة على الكلّيات فليس التعذّر فيها بمعنى تلف العين ، لأنّ العين لم تكن موردا للمعاملة قط ، بل المراد التعذّر من جهات أخر.
مثلا لو باع كميّة من الحنطة فتعذّر عليه الأداء لأنّه صار معدما فقيرا لا يقدر حتّى على أداء قيمته ، فمثل هذه المعاملة تنحلّ قهرا ـ لما ذكرنا من تقابل العدم والملكة ـ بين الصحّة والفساد ، وهما في الموضوع القابل بحكم النقيضين لا يمكن ارتفاعهما ، ولا يمكن أن تكون صحيحة لعدم إمكان الوفاء بها ، فقهرا تكون باطلة.
الثالث : بناء العقلاء ، فإنّهم يرون مثل هذا العقد الذي يتعذّر الوفاء به من
__________________
(١) راجع « القواعد الفقهية » ج ٤ ، ص ٥٣.