وأمّا الثاني : أي الأخبار التي تدلّ على لزوم كلّ عقد مملّك :
فمنها : قوله عليهالسلام : « لا يحلّ مال امرء مسلم إلاّ بطيب نفسه » (١).
بيان ذلك : أنّه بعد الفراغ عن أنّ العقد سبب لانتقال كلّ واحد من العوضين إلى صاحب العوض الآخر ، وصيرورته ملكا ومالا له ، فلو كان إرجاع ذلك المال إلى صاحبه الأوّل بصرف الفسخ من دون طيب نفس الطرف ، أي من انتقل المال إليه بالعقد ، جائزا ـ الذي هو معنى عدم اللزوم ـ يلزم أن يكون أكل مال المسلم بدون طيب نفسه جائزا ، والحديث ينفيه : فالحديث يدلّ على عدم تأثير الفسخ وهو ملازم مع اللزوم.
وأمّا توهّم : أنّه بعد الفسخ يشكّ في أنّه مال الغير ؛ إذ على تقدير كون العقد أو المعاملة جائزة ، فبعد الفسخ يخرج عن كونه مال الغير قطعا ، وعلى تقدير كونه لازما يبقى بعده على كونه مال الغير ، وحيث أنّ كلا الأمرين غير معلوم ، فكونه مال الغير بعد الفسخ مشكوك ، فيكون التمسّك بالحديث من قبيل التمسّك بالعموم في الشبهة المصداقيّة لنفس العامّ ، وهو واضح البطلان ؛ للزوم إحراز موضوع الحكم.
ففيه : أنّ عدم كونه مال الغير متوقّف على تأثير الفسخ في إرجاع المال إلى صاحبه الأوّل ، وإلاّ فمع عدم تأثيره وعدم
انحلال العقد لا وجه لخروجه عن ملك من انتقل إليه بالعقد ، بل باق على ملكه يقينا من دون احتياج إلى استصحاب بقائه على ذلك ، وتأثير الفسخ متوقف على عدم كونه مال الغير ، وإلاّ يلزم أن يكون التصرّف في مال الغير بإخراجه عن ملكه بدون طيب نفسه حلالا وجائزا ، والحديث ينفيه ، فلا يمكن إثبات جواز التأثير بالشكّ في كونه مال الغير ، ويكون دورا واضحا.
__________________
(١) « الكافي » ج ٧ ، ص ٢٧٣ ، باب القتل ، ح ١٢ ؛ « الفقيه » ج ٤ ، ص ٩٢ ، باب تحريم الدماء والأموال بغير حقّها ... ، ح ٥١٥١ ؛ « وسائل الشيعة » ج ٣ ، ص ٤٢٤ ، أبواب مكان المصلي ، باب ٣ ، ح ١ ؛ وج ١٩ ، ص ٣ ، أبواب القصاص في النفس ، باب ١ ، ح ٣. والنص في جميع المصادر هكذا : « لا يحلّ دم امرئ مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفسه ».