للانتفاع بلبنها بأنّ مفاد هاتين الروايتين جواز إعطاء الشاة بعوض وبضريبة للانتفاع بلبنها ، فتدلاّن على جواز الإعطاء مجّانا بطريق أولى أي بالفحوى ، وإعطاء الشاة بضريبة لا بدّ وأن يكون للانتفاع بلبنها أو بصوفها أو بكليهما ، فإذا دلّتا بالفحوى على جواز الإعطاء للانتفاع بهاتين المنفعتين مجّانا فيكون هذا عين العارية.
وفيه : على فرض تسليم أنّ الرواية تدلّ على جواز إعطاء الشاة المنحة مجانا لهاتين المنفعتين ، لا تدلّ على أنّ جواز الإعطاء من باب العارية ، بل من الممكن أن يكون من باب الإباحة أو الصلح المجّاني.
واستدلّ في التذكرة على جواز عارية الشاة المنحة بما عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « العارية مؤدّاة ، والمنحة مردودة ، والدين مقضيّ ـ والزعيم ـ والغريم غارم » (١).
ولكن الإنصاف أنّ هذا الحديث الشريف ـ على فرض تسليم صدوره عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ على خلاف المطلوب ، وأنّ المنحة ليست بعارية أدلّ ، لما جعله صلىاللهعليهوآلهوسلم مقابلا وعدلا للعارية.
نعم يدلّ على أنّ ردّ المنحة واجب ، كما أنّ تأدية العارية وقضاء الدين لازم ، والغريم غارم أي المديون يجب عليه أن يؤدّى دينه.
هذا بناء على نقل التذكرة ، وأمّا بناء على ما في سنن أبي داود وصحيح الترمذي : « الزعيم غارم » (٢) فمعناه أنّ الكفيل يجب عليه أداء الغرامة ، إذ الزعيم بمعنى الكفيل ، كما في قوله تعالى ( وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ) (٣).
__________________
(١) « تذكرة الفقهاء » ج ٢ ، ص ٢٠٦. وانظر : « عوالي اللئالي » ج ٣ ، ص ٢٥٢ ، ح ٨.
(٢) « سنن ابي داود » ج ٣ ، ص ٢٩٥ ، كتاب البيوع ، ح ٣٥٦٥ ؛ « سنن ترمذى » ج ٣ ، ص ٥٦٥ ، كتاب البيوع ، باب ٣٩ ، ح ١٢٦٥ ؛ « عوالي اللئالي » ج ٢ ، ص ٢٥٧ ، ح ٣ ؛ « مستدرك الوسائل » ج ١٣ ، ص ٤٣٥ ، أبواب كتاب الضمان ، باب ١ ، ح ٢.
(٣) يوسف (١٢) : ٧٢.