وذهب قوم إلى أن الالتفات هو أن تذكر معنى فتتوهم أن السامع اعترضه شك في ذلك أو في سببه ، أو علته فتذكر ما يزيل شكه كقول الاخطل :
تبين صلات الحرب منّا ومنهم |
|
إذا ما التقينا والمسالم يأذن |
فتبيّن بقوله ـ والمسالم يأذن ـ كيفية ظهور المحارب منه ، والصحيح القول الأول وما ذكره بعده يجوز أن يكون من أنواع الالتفات .. ومن بديعه قوله تعالى : ( يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ ) خاطب يوسف بأعرض عن هذا والتفت الى زليخا. ومنه أيضا قوله عز وجل ( حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ ) .. ومن بديع ما جاء منه في النظم قول امرئ القيس :
تطاول ليلك بالأثمد |
|
ونام الخليّ ولم ترقد |
وبات وباتت له ليلة |
|
كليلة ذي العائر الأرمد |
وذلك عن خبر جاءني |
|
وخبّرته عن أبي الأسود |
قال المصنف عفا الله عنه : ذكر ابن الاثير في جامعه أن الالتفات على ثمانية أقسام : الاول الرجوع من الغيبة إلى الخطاب كقوله تعالى : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) إلى قوله : ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) وانما فعل ذلك لفوائد وهي انه لما ذكر الحقيق بالحمد وأجرى عليه تلك الصفات العظام من الربوبية العامة ، والملك الخاص فعلم المعلّم بمعلوم عظيم الشأن حقيق بالخضوع له والاستعانة به في المهمات ، فخوطب ذلك المعلوم الموصوف بتلك الصفات فقيل ـ إياك نعبد وإياك نستعين ـ يا من هذه صفاته.
والفائدة الأخرى أن قوله ـ إياك نعبد وإياك نستعين ـ ليس العدول فيه اتساعا ، وإنما عدل إليه لأن الحمد دون العبادة فإنك تحمد نظيرك