ولا تعبده ، فلما كان الحال كذلك استعمل لفظ الحمد لتوسطه مع الغيبة في الخبر فقال ـ الحمد لله ـ ولم يقل لك ولما صار إلى العبادة التي هي أقصى الطاعات قال ـ إياك نعبد ـ تصريحا بها وتقربا منه عز اسمه بالانتهاء إلى محدوده منها ، وعلى نحو من ذلك جاء آخر السورة فقال ـ صراط الذين أنعمت عليهم ـ فصرح بالخطاب لما ذكر النعمة ثم قال ـ غير المغضوب عليهم ـ ولم يقل غير الذين غضبت عليهم ، لأن الاول موضع التقرب إلى الله بذكر النعمة ، فلما صار إلى ذكر الغضب قال ـ غير المغضوب عليهم ـ فجاء باللفظ منحرفا به عن ذكر الغضب فأسند النعمة إليه لفظا وزوى عنه لفظ الغضب تحننا ولطفا .. ومن هذا الجنس قوله تعالى : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً ) وشبهه .. الثاني : الرجوع من الخطاب إلى الغيبة كقوله عز وجل : ( هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها ) الآية صرف الكلام هاهنا من خطاب المواجهة إلى الغيبة وانما فعل ذلك وهو أنه ذكر لغيرهم حالهم ليعجبهم منها كالمخبر لهم ، ويستدعي منهم الإنكار عليهم والتقبيح لفعلهم ولو قال ـ حتى اذا كنتم في الفلك وجرين بكم ـ وساق الخطاب إلى آخر الآية لذهبت تلك الفائدة التي أنتجها خطاب الغيبة .. ومن ذلك قوله تعالى : ( إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ) الأصل أن يعطف على الفعل الاوّل الاّ أنه صرف الكلام من الخطاب إلى الغيبة على طريقة الالتفات كأنه ينعي عليهم ما أفسدوه إلى قوم آخرين ، ويقبّح عليهم ما فعلوه ويقول :أ لا ترون إلى عظيم ما ارتكب هؤلاء في دين الله فجعلوا أمر دينهم فيما بينهم قطعا ، وذلك مثل لاختلافهم فيه وتباينهم ، ثم توعدهم بعد ذلك بأن هؤلاء الفرق المختلفة إليه يرجعون فهو مجازيهم على ما فعلوه .. ومما ينخرط في هذا السلك أيضا قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) إلى