أتى الله بقلب سليم ـ وفي ذلك من الفائدة ما أشرنا إليه في بابه ، وقد سبق ذكره.
وأما الثاني : فالمعنى الذي أتى به من أجله تشوف النفس بعد قطع الكلام الأول إلى الكلام الثاني الذي بعده ، ولا سيما اذا لم يكن بفاصلة فإنه يدل على تمكن المتكلم في البلاغة وقوة ملكته في التلعب بالكلام ، وجودة فكرة المؤلف ، وحسن فطرة السامع وصحة ذهنه.
وأما الثالث : فقال علماء البيان هو على قسمين : منه ما يكون بفاصلة. ومنه ما لا يكون بفاصلة ، وهو بالفاصلة أحسن لأن بها تتشوف النفس إلى المعنى الثاني ، فتكون له لذاذة أشد مما إذا ورد بغتة.
وأما الرابع : فأدواته فواصله وهي ـ أما بعد ـ وقيل إنّ أول من تكلم بها رسول الله ثم تداولها الناس بعده ـ وهذا. وهذه ـ وقد يذكر لهما خبر كقوله تعالى : ( هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ ) وقد لا يذكر لهما خبر كقوله تعالى : ( هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ ) وكما قال الشاعر :
هذا وكم لي بالجنينة سكرة |
|
أنا من بقايا شربها مخمور |
وقد قال ابن الأثير في جامعه في قوله تعالى : ( وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ ) إلى قوله : ( جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ ) ألا ترى ما ذكر قبل هذا ذكر من ذكر من ذكر من الأنبياء ، وأراد أن يذكر بعده بابا آخر غيره ، وهو ذكر الجنة وأهلها فقال ـ هذا ذكر ـ ثم قال ـ وإنّ للمتقين لحسن مآب ـ ويدلّ عليه أنه لما أتم ذكر أهل الجنة ، وأراد أن يعقبه بذكر أهل النار قال ـ هذا وإنّ للطاغين لشرّ مآب ـ وذلك من فصل الخطاب الذي هو ألطف موقعا من التخلص فاعرفه .. ومن بديع الاقتضاب قوله تعالى : ( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ) إلى