المتمسكون ، من استمسك به فقد علقت يده بحبل متين ، ومن سلك سبيله فقد سار على طريق قويم ، وهدي إلى صراط مستقيم.
( وقد ) أودع الله سبحانه ألفاظ هذا الكتاب العزيز من ضروب الفصاحة وأجناس البلاغة وأنواع الجزالة وفنون البيان ، وغوامض اللسان ، وحسن الترتيب والتركيب ، وعجيب السرد وغريب الأسلوب ، وعذوبة المساغ ، وحسن البلاغ ، وبهجة الرونق ، وطلاوة المنطق ، ما أذهل عقول العقلاء ، وأخرى ألسنة الفضلاء وألغى بلاغة البلغاء من العذب وطاشت به حلومهم ، وتلاشت دونه علومهم ، وكلت ألسنتهم الذربة ، وأقصرت خطبهم المسهبة ، وقصائدهم المغربة ، وأراجيزهم المعربة ، وأسجاعهم المطربة ، فعلموا أن معارضته مما ليس في مقدورهم ولا وسعهم ، ولا داخلا في تقصيدهم ولا سجعهم ، وأن ذلك مسلوب ومصروف عن مفردهم وجمعهم ، وتركوا الطعن فيه عند تقصيد رماحهم ، وأذعنوا للاستماع له والعجز عند بعد تأبيهم وجماحهم ، مع قدحه في أربابهم ، وفدحه لألبابهم ، وتسفيهه لأحلامهم ، وتبطيله لأنصابهم وأزلامهم.
فأمسك ذوو الاحلام منهم عن اللغو فيه والاعتداء ، وأقبلوا على تدبره فهدى الله به من هدى ، ولم يقم على الطعن فيه ، وترك التدبر لمعانيه إلا من غلبت عليه الشقاوة ، وختم الله على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة ، فانتدبوا لمعارضته ومباراته ، ومماثلته ومجاراته ، فأوقعه غيّه في عيّه ولكنه ، وسقط في سقطات لسانه بعد بلاغته ولسنه ، وصار بعد أن كان فارس الفصاحة والبيان ، ومالك قصبات السبق في الرهان ، يضحك من لفظه من سمعه ، ويحط من قدره من رفعه ، وذهبت من لفظه تلك الجزالة ، وأعظم الله من ضروب الجزاء والخذية الجزاء له ، كل ذلك ليظهر لنا عظم قدر كلامه العظيم ، وأي رونق وبهجة للمحدث