شيئا إلا وأنا أعرف أنه لا يصدق وأن أقرب القول إنه ساحر ، وأنه سحر يفرق به بين المرء وابنه والمرء وأخيه ، والمرء وزوجته ، والمرء وعشيرته فتفرقوا وجلسوا على السبل يحذرون الناس فأنزل الله تعالى في الوليد ( ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً ) الآيات.
وانما يعرف فضل القرآن من عرف كلام العرب فعرف علم اللغة وعلم العربية ، وعلم البيان ، ونظر في أشعار العرب وخطبها ومقاولاتها في مواطن افتخارها ، ورسائلها وأراجيزها وأسجاعها ، فعلم منها تلوين الخطاب ومعدوله ، وفنون البلاغة وضروب الفصاحة ، وأجناس التجنيس ، وبدائع البديع ، ومحاسن الحكم والأمثال ، فإذا علم ذلك ونظر في هذا الكتاب العزيز ، ورأى ما أودعه الله سبحانه فيه من البلاغة والفصاحة ، وفنون البيان فقد أوتي فيه العجب العجاب والقول الفصل اللباب والبلاغة الناصعة التي تحير الألباب وتغلق دونها الابواب ، فكان خطابه للعرب بلسانهم لتقوم به الحجة عليهم ومجاراته لهم في ميدان الفصاحة ، ليسبل رداء عجزهم عليهم ، ويثبت أنه ليس من خطابهم لديهم فعجزت عن مجاراته فصحاؤهم ، وكلّت عن النطق بمثله السنة بلغائهم ، وبرز في رونق الجمال والجلال في أعدل ميزان من المناسبة والاعتدال ، ولذلك يقع في النفوس عند تلاوته وسماعه من الرّوعة ، ما يملأ القلوب هيبة ، والنفوس خشية ، وتستلذ الأسماع وتميل إليه بالحنين الطباع ، سواء كانت فاهمة لمعانيه أو غير فاهمة ، عالمة بما يحتويه أو غير عالمة ، كافرة بما جاء به أو مؤمنة .. وسنورد في كتابنا هذا أصولا مؤصلة وفوائد مفصلة من علم البيان ، وما ورد نظيره في القرآن ما تقف عليه ويعجبك عند النظر اليه :
وهذه الجملة التي تأصلت وتحصلت والفوائد التي بعد إجمالها