ولا يخفى أنّ باب التعارض والتخصيص وباب اقتضاء النهي للفساد وإن كان كلّ منهما أجنبيا عن الآخر ، فإنّ النهي عن الشيء معارض للأمر به لعدم اجتماعهما ، وإن لم نقل بأنّ النهي يقتضي الفساد أو لم يكن الفعل المنهي عنه ممّا يفسده النهي ، كما في الأمر بغسل الثوب والنهي عن غسله في حالة خاصّة ، وكما في الأمر ببيع العبد بقول مطلق والنهي عن بيعه في وقت خاص. كما أنّ كون النهي موجبا للفساد لا دخل له بباب التعارض ، وليس مبنيا على تخصيص الأمر به ، بل إنّ النهي يكون موجبا لفساد العبادة وإن لم يكن في البين أمر متعلّق بها ، كما لو نهي عن العبادة بالتكتّف قائما وكما في النهي عن المعاملة لو قيل بأنّه مقتض للفساد.
وحينئذ نقول : لعلّ مراد شيخنا قدسسره ـ كما ربما يتّضح ممّا أفاده في توجيه اقتضاء النهي للفساد على ما حرّرته عنه هناك ـ أنّ الأمر لو كان بدليا ، وتعلّق النهي التحريمي ببعض أفراده ، نقول إنّ أوّل ما يؤثّره ذلك النهي هو سلب قدرة المكلّف عن امتثال ذلك الأمر البدلي في ذلك الفرد المنهي عنه ، والحكم العقلي بلزوم امتثاله في الأفراد الأخر ، فتكون المسألة حينئذ من صغريات التزاحم. لكن هذا المقدار من أثر النهي لا يوجب فساد المأمور به لو أتى به في ضمن ذلك الفرد المنهي عنه ، بل يمكن أن يحكم بصحّته اكتفاء بملاكه ، أو بالترتّب ، أو كما يقوله المحقّق الثاني (١) من أنّ الانطباق قهري والامتثال وجداني ، كما أنّ هذا المقدار لا يوجب تحقّق المعارضة بين الأمر والنهي على وجه يكون النهي مخصّصا للأمر تخصيصا شرعيا ، وإنّما أقصى ما في هذا المقدار هو التخصيص العقلي.
__________________
(١) جامع المقاصد ٥ : ١٣ ـ ١٤ ، وقد تقدّم نقل عبارته قدسسره في المجلّد الثالث من هذا الكتاب فراجع الحاشية المذكورة هناك في الصفحة : ١٣٦ وما بعدها.