كان العموم شموليا أو كان بدليا ، وبعد التخصيص الواقعي يبقى ذلك الفعل مجرّدا عن الأمر والملاك ، فلا يصحّ عبادة. نعم ، لو دلّ الدليل على استحبابه فهو وإن أخرجه عن عموم الوجوب إلاّ أنّه لا يوجب فساده ، لكونه حينئذ مأمورا به بالأمر الاستحبابي.
والحاصل : أنّه يمكن الاستدلال على اقتضاء النهي عن العبادة فسادها بكلّ من الطريقتين مع قطع النظر عن الأخرى ، وعلى هذا يكون النهي التنزيهي داخلا في محلّ النزاع كالتحريمي ، سواء كان العموم المقابل لذلك بدليا أو كان شموليا ، أو لم يكن في البين أمر أصلا إن تصوّرنا ذلك ، وكذلك تدخل الاباحة في محلّ النزاع ـ بمعنى تساوي الطرفين وعدم رجحان أحدهما على الآخر ـ فإنّها حينئذ تنافي العبادة القاضية برجحان الفعل على الترك.
ومن ذلك يظهر لك أنّ جميع هذا الذي حرّرناه فيما سلف من الدورات السابقة فيما يرجع إلى هذه الجهة إنّما هو خبط عشواء في الليلة الظلماء.
وتنفرد الطريقة الأولى أعني المنافاة مع قطع النظر عن العموم فيما لو فرض عدم العموم في البين ، مثل ما ذكرناه من العبادة بالتكتّف قائما نحو المعبود. كما تنفرد الطريقة الثانية أعني طريقة التخصيص فيما لم يكن الاخراج بواسطة دليل التحريم ، بل كان بالاستثناء أو بمجرّد قوله مثلا إنّ صوم يوم العيد خارج عن استحباب صوم كلّ يوم ، ومن ذلك كلّه يتبيّن لك أنّ الجهة الثالثة ليست بمانعة عن الاستدلال بالطريقة الأولى.
وأمّا النهي الغيري المتعلّق بالعبادة الناشئ عن الأمر بضدّها ، كما في الصلاة في مورد الأمر بالازالة ، فهو خارج عن محلّ البحث بالطريقة الأولى ، لعدم تأتّيها فيه ، إذ لا يكون مثل ذلك النهي موجبا للمبغوضية ولا للمرجوحية. أمّا الطريقة