الثانية فالظاهر أيضا خروجه عنها ، لما سيأتي بيانه (١) إن شاء الله تعالى من أنّ هذا الخروج عن عموم الأمر لا يكون خروجا واقعيا ناشئا عن التعارض ، وإنّما من باب التزاحم ، وهو لا يقتضي انتفاء الأمر ملاكا وإن نفاه خطابا ، هذا كلّه في العبادات.
وأمّا المعاملات فالوجه في اقتضائه للفساد هو أنّ عمومات المعاملة مقيّدة أو مخصّصة بعموم السلطنة ، بمعنى أنّ تلك العمومات لا تجري فيما يكون المالك فيه مسلوب السلطنة ، ولا بدّ في جريانها والحكم بالنفوذ فيها من الاعتماد على حديث السلطنة ، وإخراج المورد عن احتمال كونه محجرا عليه من ناحية هذه المعاملة لكونه ممنوعا منها ، وحينئذ يكون النهي التحريمي سالبا للسلطنة وواردا أو حاكما على حديثها فتفسد ، ولا يمكن الحكم بترتّب الأثر عليها.
والظاهر أنّ النهي الغيري والتبعي يشاركان النهي التحريمي النفسي في هذه الجهة ، فلم يخرج عن ذلك إلاّ النهي التنزيهي ، فإنّه لا يوجب سلب السلطنة ، وحينئذ يكون الحكم بالفساد في ذلك ناشئا عن النهي نفسه ، لا عن كونه مخصّصا لعموم في البين كي يكون من ثمرات ذلك التخصيص ، بل هو ناش عن نفس النهي التحريمي لكونه موجبا لسلب السلطنة ، فتفسد لكونه غير مسلّط عليها ، ويكون النزاع في ذلك صغرويا ، بمعنى أنّه هل يكون التحريم الوارد على المعاملة موجبا لسلب السلطنة كي يكون بذلك حاكما أو واردا على حديثها ، وليس ذلك من باب التخصيص في شيء ، لأنّ عمومات المعاملة قد تقيّدت وتخصّصت بحديث السلطنة ، بمعنى كون تلك المعاملات قد خرج منها كلّ ما لا سلطان للمالك عليه ، وإنّما أقصى ما يحدثه النهي هو سلب السلطنة المذكورة.
__________________
(١) في الصفحة : ٢٠٦ ـ ٢٠٩.