وهذا غاية ما يمكن من توجيه كون اقتضاء النهي الفساد للمعاملة راجعا إلى الجهة الأولى ، وحاصله المقابلة بين باب العبادة وباب المعاملة ، فكما أنّ العبادة يعتبر فيها إمكان الرجحان والتقرّب ، والنهي يوجب سلب الرجحان وعدم إمكان التقرّب بها ، فيفسدها في المرتبة الأولى من دون حاجة إلى إعمال أدلّة اجتهادية في البين ، فكذلك المعاملة هي معتبر فيها السلطنة ، والنهي يسلب السلطنة عن تلك المعاملة فتفسد ، من دون حاجة إلى إعمال أدلّة اجتهادية وقواعد تخصيصية ، كي يكون ذلك الفساد خارجا عمّا نحن فيه وراجعا إلى الفساد من ناحية التخصيص والجمع بين الأدلّة ، وهو الفساد في المرتبة الثانية التي قلنا إنّه خارج عن محلّ النزاع فيما نحن فيه أصلا.
ولكن لا يخفى الفرق الواضح ، فإنّ الحاكم بتوقّف صحّة العبادة هو العقل ، وهو الحاكم بأنّ المبغوض لا يمكن التقرّب به ، فلا يكون الفساد الآتي من قبل النهي متوقّفا على إعمال تحكيم ولا على تخصيص في دليل اجتهادي ، بل يكون الفساد ابتدائيا بمجرّد تعلّق النهي ، وهذا بخلاف باب المعاملات فإنّ الحاكم بأنّه يعتبر فيها السلطنة إنّما هو الشرع حسبما أفاده الجمع بين مثل قوله تعالى : ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ )(١) ومثل قوله صلىاللهعليهوآله : « الناس مسلّطون على أموالهم » (٢) وحينئذ يكون النهي عن المعاملة مؤثّرا في سلب السلطنة ، وبذلك يكون موجبا لخروجه عن عموم ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) فيكون فاسدا بواسطة ذلك ، لا بمجرّد ارتفاع السلطنة وسلبها كي يكون راجعا إلى المرتبة الأولى من مراتب الفساد ، فتأمّل.
ثمّ إنّ ما تكرّر في هذه الأوراق من كون دليل النهي عن المعاملة حاكما أو
__________________
(١) البقرة ٢ : ٢٧٥.
(٢) بحار الأنوار ٢ : ٢٧٢ / ٧.