فلو قلت : لو كان هذا إنسانا كان ناطقا ، كان وضع المقدم بقولك لكنّه إنسان منتجا وضع التالي وهو أنّه ناطق ، كما أنّ رفع التالي بقولك لكنّه ليس بناطق يكون منتجا رفع المقدّم وهو أنّه ليس بإنسان. أمّا رفع المقدّم بقولك لكنّه ليس بإنسان فلا يكون منتجا رفع التالي ، وكذلك وضع التالي بقولك لكنّه ناطق لا يكون منتجا وضع المقدّم. وذكر أنّ السرّ في عدم انتاج ذلك هو أنّه ربما كان التالي أعمّ ، لجواز أن يكون اللازم أعمّ من الملزوم ، مثل قولك : إن كان هذا إنسانا كان حيوانا ، فلمّا كان مثل ذلك لا يكون نفي المقدم فيه موجبا لنفي التالي ، ولا إثبات التالي إثبات المقدّم ، وكانت قواعدهم عامّة ، قالوا إنّ القياس الاستثنائي في القضية المتّصلة لا يكون المنتج منه إلاّ وضع المقدّم ورفع التالي ، ولا يكون رفع المقدم ولا وضع التالي فيه منتجا ، فإنّه وإن صحّ الانتاج فيما لو كانا متساويين كما في مثل : لو كان هذا إنسانا كان ناطقا ، بأن تقول : لكنّه ليس بإنسان فهو ليس بناطق ، أو لكنّه ناطق فهو إنسان ، لكنّه لمّا لم يجر فيما لو كان التالي أعمّ من المقدم سدوا باب هذا الانتاج ، واقتصروا على وضع التالي ورفع المقدّم ليكون ذلك قاعدة كلّية جارية في كلا قسمي الشرطية ، أعني كون التالي أعمّ من المقدم وكونه مساويا له.
ولا يخفى أنّه لا يعقل كون التالي أخصّ من المقدّم ، إذ لا يصحّ أن تقول : إن كان هذا حيوانا كان إنسانا ، على نحو القضية الكلّية ، بأن تقول : كلّما كان الشيء حيوانا كان إنسانا ، فإنّ المراد من القضية الشرطية المنتجة في القياس الاستثنائي هي القضية الكلّية.
ولا يخفى أنّ مثل قولك : إن كان هذا إنسانا كان حيوانا ، لو ادّعى مدّع أنّها خارجة عن الأقسام الأربعة لم يكن ذلك بضائر ، لأنّ ابراز مثل هذه القضايا الحملية بقالب القضايا الشرطية إنّما هو من قبيل المسامحة والتوسّع في التعبير ،