الثاني : إن ملاحظة طبقات الحفاظ تعطينا تدرجا ملفتا للنظر في حجم الأحاديث ، فنجد أن طبقة كبيرة في الصدر الأول يوصف الحفاظ منها بأن عنده ثلاثون أو ستون حديثا ، أو مئة أو عشرة أحاديث ، أو مئتا حديث ، ونحو ذلك.
ثم إذا تقدم الزمان قليلا ، يترقى العدد ليتراوح بين الألف والألفين والثلاثة والخمسة ، ونحو ذلك. ثم في فترة لاحقة يترقى العدد إلى بضع عشرات : عشرين ألفا ، ثلاثين .. وهكذا.
ثم تأتي فترة فتصل فيها الأعداد إلى مئة ألف أو مئتين أو ثلاث مئة ،
ثم يقفز العدد إلى الست والسبع مئة ، وإلى المليون حديث ، وأكثر من ذلك حتى ليفوز بعضهم مثل شعبة بلقب أمير المؤمنين في الحديث (١).
ولا ننسى هنا : أن نستشهد لهذا الذي ذكرناه بالمفارقة التالية :
في حين نجد : أن القاضي عبد الجبار يصرح : بأن أحاديث التجسيم والتشبيه من أخبار الآحاد (٢).
وأن أحمد بن حنبل قد قال : إن بعض أهل الحديث أخبره : أن يحيى بن صالح (المتوفى سنة ٢٢٢ ه.) (٣) قال : «لو ترك أصحاب الحديث عشرة أحاديث ، يعني هذه التي في الرؤية».
__________________
(١) راجع : الباعث الحثيث ص ١٨٦ و ١٨٧.
(٢) فضل الاعتزال ، وطبقات المعتزلة ص ١٩٣ و ١٥٨.
(٣) راجع : سير أعلام النبلاء ج ١ ص ٤٥٦ والتاريخ الكبير ج ٨ ص ٢٨٢ وتهذيب التهذيب ج ١١ ص ٢٣٠.