وستأتي بعض أقواله ورسائله إلى أبي موسى الأشعري (١) ، وشريح القاضي ، التي يأمر فيها بالعمل بالرأي والقياس في رقم ٢٨ من هذا الفصل.
مع أنهم يقولون : إن عمر بن الخطاب هو الذي انتقد القائلين بالرأي ، وروى عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قوله : «إن أصحاب الرأي أعداء السنن ، تفلتت منهم أن يعوها ، وأعيتهم أن يحفظوها ، وسلبوا أن يقولوا : لا نعلم ؛ فعارضوا السنن برأيهم» (٢).
ولعل ذلك قد كان منه قبل أن يواجه المشكلة ، ويحتاج إلى العمل بآرائه ، أي قبل أن يتشدد في المنع من رواية حديث النبي «صلى الله عليه وآله» وكتابته ، وقبل أن يمنع الصحابة من الفتوى ويحصر حق الفتوى بالأمير ، أو من يختاره الأمير.
وربما يكون ذلك منه مختصا بأولئك الذين يفتون الناس بآرائهم ، دون إجازة من الحاكم أو الأمير.
ولعل التوجيه الأول هو الأنسب بسياق كلامه ، حيث ينسبهم إلى الجهل بالسنن ، فعارضوا السنن بآرائهم.
إلا أن يدّعى : أنه يريد أن غير الأمراء لم يكن لديهم علم بالسنن ،
__________________
(١) سيأتي ذلك إن شاء الله في فصل : معايير لحفظ الانحراف رقم : ٢٨ ـ القياس ، والرأي والاستحسان.
(٢) كنز العمال ج ١ ص ٣٣٥ عن ابن أبي نصر والغدير ج ٧ ص ١١٩ و ١٢٠ عن جامع بيان العلم ج ٢ ص ١٣٤ ومختصره ص ١٨٥ وعن أعلام الموقعين ص ١٩.