فنحر فيها الرسول الكريم صلىاللهعليهوآلهوسلم هديه ، وحلّ من احرامه ، ورجع إلى يثرب دار هجرته ، وبعد مضي عام على ذلك يخرج صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى زيارة البيت ليعتمر عمرة القضاء ، وتخلي له قريش مكة ، ويبقى بها ثلاثاً ، ثمّ يخرج وفاءً بالشرط. ولم تمض برهة طويلة حتى كان تجاوز بني بكر ـ وهم حلفاء قريش ـ على خزاعة ـ وهم حلفاء الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ لتراث بينهما ، ونصرت قريش بني بكر على خزاعة ، وبذلك نقضوا ما أشترطوه في عقد الصلح مع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، واستنجدت خزاعة بالنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فأرسلت وفداً يضم أربعين راكباً بزعامة شاعرهم عمرو بن سالم ، فدخلوا المسجد ، ووقف شاعرهم على رأس النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ينشده :
يا رب إني ناشد محمدا |
|
حلف أبينا وأبيه الأتلدا (١) |
كنت لنا أباً وكنّا ولدا |
|
ثمة أسلمنا فلم ننزع يدا |
فانصر رسول الله نصراً عتدا (٢) |
|
وادع عباد الله يأتوا مددا |
فيهم رسول الله قد تجرّدا |
|
إن سيم خسفاً وجهه تربّدا |
في فيلق كالبحر يجري مزبدا |
|
إن قريشا أخلفوك الموعدا |
ونقضوا ميثاقك المؤكّدا |
|
وجعلوا لي في كداء (٣) رصدا |
وزعموا أن لست أدعوا أحداً |
|
وهم أذلّ وأقلّ عددا |
_______________________
(١) الأتلد : الأقدم.
(٢) العَتدَ : من العتيد : بمعنى الحاضر المهيأ وفرس عتَدَ بفتحتين معدّ للجري والركوب.
(٣) كداء : بالفتح والمد : ثنيّة بأعلى مكة عند المحصّب دار النبي عليهالسلام من ذي طوى إليها (مراصد الاطلاع).