وتفريط ، أصابه من التنميق والتزويق ، كما أصابه من التلفيق والتمزيق ، فضاعت ـ أو كادت ـ حقائق ما بين ذين وذين ، لو سلمت صفحاته من عبث الحاكمين ، سواء الأمويين وهم خصماؤه ، أو العباسيين وهم أبناؤه ، أو المناوئين لهم ومنهم كذلك أعداؤه ـ أقول لو سلمت لكان الجانب المشرق هو الأكثر وضوحاً ، ولكن التضبيب والتعتيم شوّه الصورة حتى بدا الجانب المعتم المظلم أيضاً ـ كيف لا ؟ وهو قد عاش أحداث الإسلام الكبرى منذ فتح مكة وحتى يوم وفاته ، وخاض غمار بعضها مبرّزاً فيها فكان له رأي ، وكان له صوت ، وكان له حضور فاعل ومؤثر. وذلك كله يستدعي إكبار المعجبين به كما يستفزّ حقد المناوئين له. ولكل من الفريقين أنصار لهم غايات وأهداف ، ربما وصلت إلى حدّ الإسفاف ، فمثلاً نجد في العصر الأموي إنّ مدوّني السيرة الأوائل فيهم من كان ضالعاً في ركاب الحاكمين ـ إن لم يكونوا كلهم إمّا رغبة أو رهبة ـ ولنقرأ نموذجاً منهم ، وهو ابن شهاب محمّد بن مسلم الزهري يروي لنا عنه أبو الفرج الأصفهاني قوله : « قال لي خالد بن عبد الله القسري : اكتب لي النسب فبدأت بنسب مضر وما أتممته قال : أقطعه قطعه الله من أصولهم ، وأكتب لي السيرة فقلت له فإنّه يمرّ بي الشيء من سيرة عليّ بن أبي طالب (صلوات الله عليه) فأذكره ؟ فقال : لا إلّا أن تراه في قعر الجحيم.
قال أبو الفرج : لعن الله خالداً ومن ولّاه وقبحهم وصلوات الله على أمير المؤمنين » (١).
_______________________
(١) الأغاني ١٩ / ٥٩ ط الساسي.