أصوم وأتصدّق وأصلّي وأعتق من الّذي صنعت يومئذٍ مخافة كلامي الّذي تكلمت به حتى رجوت أن يكون خيراً » (١).
فمن كان بهذه المثابة من الخوف والوجل من كلمة صدرت منه ظاهرها حميّته للدين ، كيف غاب عنه ذلك الشعور بالخوف حتى قال كلمة غمّ على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم منها لشدة وقعها على قلبه ؟
فما بال أبي حفص تتباين مواقفه من أوامر الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فيناقض نفسه بنفسه ؟ فأين الرضا ؟ وأين التسليم ؟ الّذي قاله يوم جاء هو بالصحيفة ، من هذا العناد والاصرار على الخلاف يوم دعا النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بالدواة والصحيفة ، ولماذا ذهب به الأشتطاط فلم يخش ما خشيه من كلمته يوم صلح الحديبية ؟ وهي الّتي كانت أخف لهجة وأهون وقعاً ، وأقل تأثيراً. مواقف ما كانت لتأخذ الألباب بالحيرة لو صدرت عن غير عمر ، من غير أولي السابقة والصحبة والمصاهرة من الأعراب أولي الضرر ، أو البداة من أهل الشعر والوبر.
يقول الدكتور صبحي الصالح ـ اُستاذ الإسلاميات وفقه اللغة في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية ـ : « وتحليلاً لهذه الحادثة التاريخية الخطيرة ، لابدّ لنا من رَجع النظر فيها لنستقي منها بعض العبر ، ولابدّ لنا من الاعتراف بأنّه لم يكن من المنتظر أن يقف من بين الصحابة مثل عمر ليقول ما قال ، حتى أكبَرَ عبد الله ابن عباس ، وهو حبر الأمة الإسلامية هذا الأمر ، وعدّه أكبرَ رزيّةٍ أصابت المؤمنين ، ولم يكن من المتوقّع إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يختار المؤمنون غير
_______________________
(١) أنظر تاريخ الطبري ٢ / ٢٨٠ ط الاستقامة بمصر ، وسيرة ابن هشام ٣ / ٣٣١ ط الحلبي بمصر.