برجحان مصلحة الكتابة على فضيلة العلماء دون العكس ، لأنّه يستلزم أمر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بالمرجوح وترك الراجح ، وهذا ممنوع من النبيّ لعصمته وتسديده بالوحي وطلبه الأصلح للأمة.
ثمّ هل كان أمر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم من عند نفسه أو من عند ربّه ، والأوّل مدفوع بقوله تعالى : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ ) (١) ، والثاني مسموع لقوله تعالى : ( إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) (٢) ، و ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ ) (٣) ، و ( قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ مِن رَّبِّي ) (٤).
وبعد هذا كلّه لو سلّمنا جدلاً أنّ الخطابي علم بمراد عمه عمر من منعه كتاب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لأنّه يلغي فضيلة العلماء ويعدم الاجتهاد ، فمن أين له أنّ كتابه صلىاللهعليهوآلهوسلم سوف يشمل جميع الحوادث والأحكام. لأنّ نص الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم على شيء أو أشياء مخصوصة لا يبطل فضيلة العلماء ولا يعدم الاجتهاد ، لأنّ الحوادث لا يمكن حصرها ، فليعدم الاجتهاد فيما نص عليه خاصة ، ويبقى لأجتهادهم سائر المجالات الأخرى. وبهذا كان تعقّب ابن الجوزي للخطابي فيما حكاه عنه ابن حجر حيث قال : وتعقبه ابن الجوزي : بأنّه لو نص على شيء وأشياء لم يبطل الإجتهاد ، لأنّ الحوادث لا يمكن حصرها.
هذا كلّه فيما ذكره أوّلاً.
وأمّا ما ذكره ثانياً :
_______________________
(١) النجم / ٣.
(٢) النجم / ٤.
(٣) الكهف / ١١٠ ، فصلت / ٤١.
(٤) الأعراف / ٢٠٣.