لكن الباحث الواعي لا يعدم الرواية الصحيحة بينها ، وانّها هي الثالثة الّتي ورد فيها : « انّ النبيّ يَهجَر » وما تحريكه لها بفتحتين إلّا نحو من التعتيم المتعمد ، لأن الصحيح « يَهجُر » فانها من باب (نصر ينصر) وتحريكها بفتحتين يخرجها عن المعنى الأصلي للكلمة ، وانحراف بمسارها الصحيح ، وذلك انّ القراءة بفتحتين تكون بمعنى هجرك الشيء ، أي تركه كما نصت على ذلك بعض قواميس اللغة. ولكن ذلك لم يعجب الملا علي القاري شارح كتاب القاضي المذكور فقال في المقام : « يَهجِر » بكسر الجيم مع فتح أوّله بتقدير استفهام انكار (؟).
وهذا من غرائب الأغراب في مسائل الإعراب ، وإنّما حدث بعد زمان الحديث والحدث ، تبريراً لمواقف المعارضة عند الحساب.
أمّا الّذي قلناه أنّه الصحيح وهي الرواية الثالثة فقد ذكرها القاري وقال هو الموجود في مستخرج الإسماعيلي من طريق ابن خلاد عن سفيان. كما ذكرها غيره (١) وسيأتي مزيد بيان عن ذلك في محله إن شاء الله.
ثانياً : استعرض ما قاله أئمّته في الحديث. ولا يعنينا معرفة أئمّته بأعيانهم سواء كانوا هم المالكية ، أو الأشعرية ، أو أهل السنّة والجماعة كما ذكرهم شارح كتابه الملا عليّ القارئ الحنفي.
والّذي يعنينا أن نعرف ماذا قالوا ؟ لم يأتوا بشيء جديد ، ولم يخرجوا عن أطار التبرير وإن باؤا بإثم التزوير. فكلّ ما مخض سقاؤهم أنّ الروايات المختلفة الآنفة الذكر يجب تخريجها على نحو الإستفهام الإنكاري ، ولم
_______________________
(١) جاء في سر العالمين للغزالي / ٩ ط بومبي الهند عليّ الحجر سنة ١٣١٤ : « إن الرجل ليهجر ».