القرآن والتوثيق به. ونحن نقول له ما دام كبار الصحابة فهموا ذلك فلماذا إذن أختلفوا وتنازعوا ؟ وما ضرّهم لو أنهم أمتثلوا أمره صلىاللهعليهوآلهوسلم فكتب لهم ذلك التأكيد ؟ وما داموا هم ملتزمين بالقرآن ، فالقرآن يأمر بإطاعة أمره إذ فيه : ( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ) (١) ، وفيه : ( اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ) (٢) فلماذا لم يستجيبوا ولم يطيعوا ؟
ومن الغريب والغباء أن يستدل على مرامه بقوله : « ولو كان شيئاً آخر لأمرهم به ثانياً وثالثا ؟! ». إنّما لم يأمرهم به ثانياً وثالثاً لعدم الجدوى في ذلك حتى ولو كرر ذلك مائة مرة ومرة ، فقد سبق السيف العَذَل ـ كما يقول المثل ـ فعمر حين قال إنّه يهجر أصاب مرماه وضيّع الهدف المنشود للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولو أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كرّر ذلك ، لصدّقت مقولة عمر زمرة المنافقين وكان مجالاً للطعن في شخصه الكريم. لذلك طردهم وقال : (قوموا عني).
وإنّ ما ذكره من وصاياه الّتي خص بها الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، تثبت أنّ عليّاً وصيّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فكيف يزعم قومه عن عائشة بأنّ النبيّ مات ولم يوص ، ثمّ هي القائلة : « متى أوصى إليه وقد كنت مسندته إلى صدري » (٣). والآن فقد أستبان أنّ عليّاً أوصى إليه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم !!.
وبعد هذا أوليس ابن عباس كان على حق في قوله : « الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده » ؛ أفهل كان على شبهة أم كان على يقين ؟
_______________________
(١) النساء / ٥٩.
(٢) الأنفال / ٢٤.
(٣) أنظر صحيح البخاري (كتاب الوصايا باب الوصايا) ٤ / ٣.