لأنّ احتمال ذلك موهون ومردود بقوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (١) والآية تقطع جهيزة كلّ متنطع.
ولو تنزلنا جدلاً وقلنا بذلك ، فهو أيضاً غير مقبول ولا معقول :
أوّلاً : لأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم دعا بدواة وكتف ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده. وكتابة الحكم الواحد أو المهم كما زعمه بعض علماء التبرير ، لا تفي بالغرض ولا تأتي بالنتيجة المرجوة ، وكتابة جميع الأحكام تحتاج إلى عدة أكتاف إذ لا يحويها الكتف الواحد ، ولا أقل على مثل كتاب الله تعالى في تعدد الأكتاف لأن الأحكام وما جاء به الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم تساوي الكتاب ان لم تزد حجماً عليه.
ثانياً : لم يعهد منه صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه كان يكتب لهم الأحكام الشرعية أو يأمر بكتبها ، وإنّما كان يبلغهم ذلك شفاهاً ، نحو قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم صلوا كما رأيتموني أصلي ، وخذوا عني مناسككم ونحو ذلك ممّا عرّفهم من الأحكام من طرق قوله وعمله وتقريره. ولم يعهد أن كتب لهم حكماً واحداً. نعم قد يوجد في بعض كتبه وعهوده ومراسلاته إلى الملوك ورؤساء القبائل ممّا ينبغي التعرض له فهو حين يدعوهم إلى الإسلام فلهم كذا وكذا ، وإن أبوا فالجزية عن يدوهم صاغرون ، وكلّ ما كان كذلك فهو لمن بُعد عنه ، ولم يكن لمن معه في المدينة ، ولم يذكر صلىاللهعليهوآلهوسلم كتب لأهل المدينة مثلاً والذين هم معه حكماً واحداً.
ثالثاً : لو تجاوزنا ما تقدم فالّذي سيكتبه من الأحكام ليس بعاصم لجميع الأمة إنّما يعصم من ابتلي بالحكم فقط ولا يعصم غيره ما دام باب الاجتهاد والتأويل قد فتحه علماء التبرير على مصراعيه ، والنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يريد ضمان السلامة لجميع أمته من الضلالة.
_______________________
(١) المائدة / ٣.