فإنّا نقول : دليلنا على ذلك اعترافاته السابقة بأنّه فهم ذلك فقال : « حسبنا... الخ ».
ولولا أن يكون ذلك مراد عمر لما كان معنى لقوله : « حسبنا كتاب الله » ولا معنى لقوله : « وعندكم القرآن » ، واحتمال أنّه أراد الاستغناء بالقرآن وحده لأنّه فيه تبيان كلّ شيء ، لقوله تعالى : ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) (١) كما قاله علماء التبرير فليس ذلك بصحيح ولا يمكن أن يُصحَح له ، لأن القرآن وحده لا يغني ما لم يكن معه مَن يعلم تأويله قال تعالى : ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (٢) ، والله سبحانه يقول : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) (٣) ، وقد ورد عن الإمام عليّ عليهالسلام قوله في تفسير هذه الآية فقال : (نحن أهل الذكر) ولا شك أنّ عليّاً عليهالسلام كان منهم بل ومن أفاضلهم ، كيف لا وهو الّذي دعا له الرسول بأن يكون الأذن الواعية ، وفيه نزل قوله تعالى : ( وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ) (٤) ، وهذا هو الّذي أدركه عمر وفهمه ، لذلك استبعد الضميمة عن القرآن ، فرفضها ومنع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم من كتابة الكتاب الّذي لن تضل أمته من بعده ما إن تمسكوا به.
وفي حديث الثقلين دلالة واضحة أنّ التمسك بهما معاً ـ القرآن والعترة ـ هو السبيل العاصم من الضلالة. وليس التمسك بأحدهما دون الآخر بعاصم وحده.
_______________________
(١) الأنعام / ٣٨.
(٢) آل عمران / ٧.
(٣) النحل / ٤٣.
(٤) شواهد التنزيل للحسكاني ٢ / ٢٧٢ ، وحلية الأولياء ١ / ٦٧ ، وفرائد السمطين للحمويني ، وكنز العمال ١٥ / ١٥٧ ط الثانية ، ومناقب ابن المغازلي الحديث / ٣٦٦ ، وسمط النجوم العوالي ٢ / ٥٠٤ ، وتفسير الطبري ٢٩ / ٥٥ ، وتفسير الدر المنثور للسيوطي في تفسير الآية نقلاً عن ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه.