وإذا كان ابن خلدون لم يقرأ كلّ ذلك ، فهل يعقل أنّه لم يقرأ ما روته عائشة وأخرجه البخاري عنها مكرراً وكلاهما عنده في المقام الأسمى من خروجه صلىاللهعليهوآلهوسلم متوكئاً على العباس ورجل ـ هو عليّ ـ ولكن عائشة لا تطيق لها نفس أن تذكره بخير وهي تستطيع كما قال ابن عباس فيما رواه الطبري (١).
ألم يقرأ ابن خلدون هذا الحضور لعليّ والعباس عند النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد خرج متوكئاً عليهما حين صلّى أبو بكر فنحّاه وصلّى هو صلىاللهعليهوآلهوسلم بالناس ؟ أوليس هذا في صحيح البخاري وتاريخ الطبري وطبقات ابن سعد ، وابن خلدون قد رأى تلك الكتب جميعها وأخذ عنها خصوصاً عن كتاب الطبري الّذي قال عنه ـ في ذكره أمر الجمل ـ اعتمدناه للوثوق به لسلامته من الأهواء الموجودة في كتب ابن قتيبة.
ثمّ ما بال الناس الّذين سألوه عن مغسّله وكفنه والصلاة عليه وحتى عمّن يدخله القبر ، ما بالهم لم يسألوه عمّن يتولى أمرهم من بعده ؟
ثمّ ما باله صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يقدم أبا بكر للصلاة عليه أولاً مادام قد أمر بتقديمه للصلاة بالمسلمين مكانه كما يروي ابن خلدون وغيره ؟ ولندع ذكر ما في قراءة ابن خلدون من مثار التساؤل ، ونعود إلى إنكاره الوصية للإمام كما مرّ عن مقدمته. وإلى إقراره بأن الّذي منع من كتابة ذلك هو عمر ، وما صرّح به ثانياً بأنّ الّذي منع قال : « أنّه يهجر » فتكون النتيجة ماسبق أن ذكرناه في (ماذا قال عمر ؟) وأنّه الّذي قال : « انّ الرجل ليهجر ».
_______________________
(١) تاريخ الطبري ٢ / ٤٣٣ ، صحيح البخاري ١ / ١٣٥ باب إنّما جُعل الإمام ليؤتم به... ط بولاق.