وأمّا كون النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يكتب الكتاب لمنع عمر ليس يعني أنّه لم يكن قد أوصى عليّاً ، فما نعى به على الشيعة في ذلك ، وزعم أنّه أمر لم يصح ولا نقله أحد من أئمة النقل. فنقول له إنه أمر صحيح ونقله جماعة من أئمة النقل.
ونحن لا نطيل الوقوف معه في سرد ما يستدل به الشيعة على وصاية عليّ عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إذ لم يكن دليلهم منحصراً بذلك الكتاب الّذي أراد صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يكتبه ومنع عمر منه فلم يقع. فإن لديهم من الأدلة الأخرى والّتي رووها عن مصادرهم ومصادر غيرهم وفي هذا القسم الثاني ما يرغم ابن خلدون على قبول أحاديثهم ففيها من صحاح قومه وسننهم ومسانيدهم وتواريخهم ، وفيها أحاديث دلت على أنّ عليّاً كان وصيّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من قبل يوم الخميس يوم حديث الرزية ، بل كان هو وصيّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من يوم بدء الدعوة كما في حديث الإنذار. وإليك بعض ما جاء في ذلك صريحاً بالوصية :
١ ـ قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : (إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم) (١).
٢ ـ قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : (فأنت أخي ووزيري ووصي وخليفتي من بعدي ...) (٢).
فإذا كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم جعله وصياً واختاره أخاً ووزيراً ووصياً ووارثاً وخليفةً من بعده منذ بدء الدعوة وحتى سائر المشاهد بعد ذلك وفيها أكثر من شاهد ، فما ذنب الشيعة إذا آمنوا بصحّة ما رواه أسلافهم وأخلافهم ، ووافقهم عليه سواهم من لم يمنعهم خلافهم. وحديث الوصية شائع ذائع هتف به الصحابه شعراً ونثراً ، ولم ينكر عليهم أحد ذلك.
_______________________
(١) أنظر تاريخ الطبري ٢ / ٢١٦ ط الحسينية ، و ٢ / ٣١٩ ط دار المعارف ، و ٣ / ١١٧٢ ط ليدن ، وكنز العمال ٦ / ٣٩٢ ـ ٣٩٧ ط الاُولى حيدر آباد ، و ١٥ / ١٠٠ ط الثانية حيدر آباد ، نقلاً عن ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبي نعيم والبيهقي كليهما في الدلائل.
(٢) أنظر السيرة الحلبية ١ / ٢٨٦ ط البهية : عن ابن جرير والبغوي انهما رويا ذلك.